معا لبناء جيل قارئ

سيف سالم المعمري

عُرساً ثقافياً رائعاً يحتضنه مركز عُمان الدولي للمعارض، والذي شهد في الخامس والعشرين من فبراير الماضي انطلاق الدورة العشرين من معرض مسقط الدولي للكتاب، والذي يستمرُّ حتى السابع من مارس الجاري، بمشاركة واسعة من 633 دار نشر من 24 دولة و180 ألف عنوان.

ومعرض هذا العام يتزامن مع فاعلية ثقافية كبرى تشهدها السلطنة من خلال الاحتفال بنزوى عاصمة الثقافة الإسلامية للعام 2015م؛ لتتواكب الفعاليتان مع الحراك الثقافي والحضاري الذي تشهده السلطنة الحبيبة في عهد النهضة المباركة بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه ومتعه بالصحة والعافية وأعاده إلينا سالما غانما معافى.

ورَغْم التطوُّر الهائل التي أحدثته التكنولوجيا المعاصرة في مجال الاتصالات وتدفق مصادر المعرفة بشكل سريع جدًّا، ورغم أنَّ الكتاب الرقمي أصبح اقتناؤه من قبل القارئ أكثر سهولة ويسرًا؛ إلا أنَّه لا يزال للكتاب الورقي خصوصيته وقيمته المعرفية والوجدانية.

فلا يُمكن أنْ ننفر من الكتاب الرقمي الذي أصْبَح يحمله الإنسان في جيبه أينما ذهب؛ من خلال الهواتف الذكية التي تُتيح لمستخدمها تأسيسَ مكتبته الرقمية الخاصة، وبتكلفة مادية أقل بكثير من شراء الكتب الورقية، إضافة إلى الحواسيب المكتبية والمحمولة والأجهزة اللوحية، حتى وإنْ كانت للتقنية معوقاتها غير المأمونة كصعوبة استخدامها في حال عدم وجود كهرباء أو انقطاعها، أو لعطل فني في برمجة الحواسيب والهواتف والأجهزة اللوحية. وفي المقابل، يبقى للكتاب الورقي رونقه الخاص وقربه من نفس القارئ ورمزيته الجميلة ورائحته الزكية؛ فكلما مرَّت عليه السنوات زادت قيمته المعنوية والمادية للقارئ، وهو أنيس لكل جليس له في أي مكان وزمان.

نعم.. نحن بحاجة لقرَّاء مُخلصين للقراءة، فأينما وجهوا للكتاب الورقي أو الرقمي فكلاهما يروي ظمأ المتعطِّش للقراءة منهما، ونحن نفخر كثيراً حينما نرى تهافت الناس كباراً وصغاراً، رجالا ونساء، إلى معرض الكتاب ولو فتح لمدة 24 ساعة لن يتوقَّف الناس عن التجول بين أروقته، فكل الشكر والتقدير للقائمين على معرض مسقط الدولي للكتاب، ويجب أن يكون المعرض منصة مهمة لتقييم جيل القراءة في السلطنة عاما بعد عام.

فبناء جيل قارئ يجب أن يكون مسؤولية مُشتركة تبدأ منذ نعومة أظفار أطفالنا؛ حيث دور الأسرة في تحبيب الأطفال في القراءة وتحفيزهم وتخصيص زوايا معينة من البيت لبناء مكتبة صغيرة أو حتى تأسيس مكتبة منزلية أسرية في إحدى غرف المنزل، كما يجب على الوالدين تعويد الأطفال على عادة القراءة ويكونوا قدوة لأبنائهم.

وعند دخول الأطفال إلى المدرسة يجب أن تهيَّأ لهم بيئة قرائية للأطفال من خلال تخصيص حصة أسبوعية للقراءة، بل لماذا لا يكون هناك منهج دراسي للقراءة يبدأ من الصف الأول وحتى المراحل الجامعية المختلفة؟ بل لماذا لا تقوم المؤسسات التعليمية والتربوية والرياضية والشبابية ومؤسسات المجتمع بدورها من خلال إقامة المسابقات في مجال القراءة؟ بل لماذا لا نسمع عن مسابقات في السلطنة والدول العربية متخصِّصة في القراءة؛ يتنافس فيها القراء عن أهم قراءاتهم وتأثيرها في الجوانب المعرفية والفكرية لديهم؟

لماذا لا نُعيد ماضي أجدادنا الذين أثروا المكتبة العُمانية بالمجلدات والكتب والتي لا تزال شاهدة على عُلو هممهم وإرثهم الحضاري الخالد؟.. نريد أن يكون بيننا علماء ونجباء في مختلف العلوم الدينية والفكرية والعلمية والإنسانية والطبيعية...وغيرها، فالأمم لا تُبنى إلا بسواعد العلماء والنجباء، ونحن لدينا ما يُؤهلنا لأن نكون في مقدِّمة الأمم؛ فمنهج القراءة هو قيمة حضارية متأصلة في ديننا الحنيف؛ حيث نزل الوحي على نبينا محمد بن عبدالله ورسوله بقوله تعالى: "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ" سورة العلق (1-5)؛ لذا يجب علينا جميعا أن نكون معاً في بناء جيل قارئ ينهض بوطنه وأمته.

saif5900@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك