مُتعافٍ من الإدمان: السجن نقطة تحول .. ودعم زوجتي أنقذني من مخالب المخدرات

يصف "ر. م. ع" فترة إدمانه المخدرات بأنّها أسوأ تجربة عاشها في حياته، حيث تعرّض خلالها لأقسى درجات العذاب النفسي والصراع الداخلي والشعور بالذنب تجاه أسرته الصغيرة وعائلته لأنّه شوه سمعته وسمعتهم جميعًا بإدمانه الذي بدأ بالحشيش وانتهى بالهيروين، فضلاً عن اكتسابه الكثير من السلوكيات غير الأخلاقية مثل الكذب والسرقة، ويشير إلى محاولته التعافي من الإدمان ثلاث مرات لكنه في كل مرة كان ينتكس ويعود أكثر شراهة حتى وصل به الأمر خلف قضبان السجن الذي مثّل نقطة تحول في حياته وصحته بعد تمكنه من التعافي بشكل نهائي هذه المرة.

 

الرؤية - محمد قنات

"لم أتوقع أن أدخل عالم الإجرام بسبب الإدمان"، يقولها "ر. م. ع" معبرًا عن ثقته في تربيته وارتباطه بأسرته وتميزه بالهدوء وهو ما لا يشي بنهاية سيئة كتلك التي وصلت به خلف القضبان. ويوضح: بعد وفاة والدي وزواج أمي من شخص آخر، ذهبت للعيش مع عمتي، وكان الجميع يعاملونني بكل احترام ومحبة وكان زوج عمتي يتنبأ لي بمستقبل باهر ويعتمد عليّ في كثير من الشؤون الأسرية، وكان تحصيلي الدراسي ممتازًا جداً في المرحلة الابتدائية، حتى أنني كنت أحصل على المرتبة الأولى على مستوى الفصل، واستمر التميز إلى أن وصلت الفصل السادس وبدأ اختلاطي ببعض الشباب غير المنضبطين، وتعودت أن أجلس معهم في الشارع لتدخين السجائر بعيدًا عن عيون أسرتي.

وعلى الرغم من تراجع تحصيله الدراسي بفعل ارتباطه بأصدقاء السوء، إلا أنّه تمكن من اجتياز أول وثاني امتحان في المرحلة الإعدادية وفي الصف الثالث الإعدادي بدأ يجرب شرب الخمر مع أصدقاء السوء، ويضيف: في كثير من المرات كنت أذهب إلى المدرسة مخموراً لأنام في الفصل وهو ما أدى إلى تراجع مستواي الدراسي، ولم يكتشف أحد أمر إدماني للخمور لأني في الأساس هادئ الطبع ولا أميل إلى الحديث كثيرًا، وبعد أن أكملت المرحلة الثانوية عملت سائقاً في الصحراء لمدة أسبوعين مقابل أسبوعين للإجازة، وهنا بدأت رحلتي مع تعاطي الحشيش لفترة طويلة.

فشل دراسي

وأثناء فترة عمله سائقاً تعرض لحادث سير كسر قدمه، وبعد شفائه، قرر العودة إلى مسقط واستئناف الدراسة بالكلية الحديثة، دون أن يتوقف عن تناول الحشيش يوميًا مستغلاً الأموال التي يتلقاها من أسرته للدراسة في شراء الحشيش ومع الوقت فشل في استكمال الدراسة بالكلية بسبب إدمانه، فلجأ للعمل بإحدى الشركات في الصحراء من جديد، لكنه في هذه المرة بدأ يشتري ويبيع الحشيش إلى جانب تناوله، ويقول: علم ابن عمتي بالصدفة بأنني أتاجر في الحشيش حين عثر على كمية كبيرة من الحشيش داخل سيارتي وواجهني فاعترفت له وكانت صدمة قاسية وبكيت بكاءً هيستيرياً مع الشعور بالذنب ووعدت ابن عمتي الذي كان بمثابة أخي بأن أمتنع عن التدخين، لكنني فشلت في الالتزام بوعدي، وعدت لتدخين الحشيش خلال أقل من شهر، حيث ضبطني ابن عمتي مرة أخرى.

كان يسمع "ر" عن الهيروين الذي يتناوله زملاء له، لكنه لم يتوقع إدمانه يومًا ما، حتى تعرف على شخص أعطاه في إحدى المرات جرعة هيروين وكانت أول تجربة له مع السم الجديد، ومع تعوده عليه وإدمانه بدأت حالته المادية تسوء لأن راتبه كان لا يزيد على 700 ريال، بينما يحتاج لشراء جرعة الهيروين يومياً مبلغ 80 ريالاً، وجاء الزواج ليزيد من ضغوطه المادية دون أن يشعر بالمسؤولية تجاه حياته الجديدة، وعنها يقول: تزوجت من فتاة خلوقة وعلى قدر من العلم والوعي تعاملني باحترام متبادل ولم تشك يومًا في أنني أتعاطي المخدرات، وكنت أعود للبيت متأخرًا ومتعبًا من السهر وتناول المخدرات وعندما تسألني زوجتي عن حالتي أتعلل بأن الدوام صعب ولدى عمل بالخارج، وبعد مضي عامين على الزواج اكتشفت زوجتي إدماني حين عثرت على كمية من الهيروين في السيارة وتعرضت للإغماء من أثر الصدمة، ووعدتها بألا أعود للمخدرات، وبالفعل توقفت عن تناول الهيروين، وطلبت زوجتي أن نذهب إلى مستشفى والتقيت بطبيب بذل معي جهدًا كبيرًا، ولم تمض فترة طويلة حتى عدت مرة أخرى للتعاطي.

السجن نقطة تحول

عاد "ر" إلى إدمان الهيروين بشراهة، لكن كان هناك ما هو أخطر على مستوى السلوك، فقد اعتاد الكذب والسرقة من أجل الحصول على الجرعات، حتى ضبط من قبل ضباط الشرطة متلبسًا وتم إيداعه السجن في 14 يوليو 2013 وبقي 3 أيام دون أن يستوعب ما وصل إليه حاله من مذلة وإهانة شعر بهما حين وجد نفسه خلف القضبان. ويضيف: قضيت 45 يوماً بالسجن دون أن يزورني أحد من أهلي، حتى زارني "شقيقي من أمي" ووبخني وعاتبني لأنني شوهت سمعة العائلة بين الناس، وبقي البكاء رفيقي يوميًا في ظل تخلي أهلي عني، إلا أن زوجتي كانت الأحرص على الاستمرار معي وكانت تداوم على زيارتي وتشجيعي على ترك المخدرات، وبدأ حالي يتغير يومًا بعد يوم، وحرصت على قراءة القرآن وحفظت عددًا من الأجزاء وقرأت بعض الكتب في مختلف الموضوعات بتشجيع من أحد زملاء السجن.

وبحسم يقول "ر" إنّه قرر ألا يعود إلى المخدرات بعد إطلاق سراحه بكفالة، وتعرف من خلال أحد أصدقائه على جمعية الحياة للتعافي من الإدمان وواظب على زيارتها بصورة منتظمة للمشاركة في الحملات التوعوية والفعاليات والمحاضرات التي تنظمها للتوعية من خطر الإدمان الذي تمكن من التغلب عليه بفضل الله ودعم زوجته وتشجيعها إلى جانب عزيمته وإصراره، وأصبح يحرص على اصطحاب زوجته عند زيارة مستشفى المسرة للاطمئنان على تعافيه من آثار المخدرات ليعيش مع طفلته حياته الجديدة في استقرار وسعادة.

 

تعليق عبر الفيس بوك