أحمد الرحبي
برغم انتفاء معقولية وصدق كل هلوسات نهاية العالم وكذبها الكذب البيِّن حين مشارفتها التاريخ المتوقع لدمار ونهاية العالم كما حذرت منه هذه الهلوسات والتي يختلط فيها الأسطوري بالغيبي بالديني المهلوس كما هو الحال لتوقع النهاية الماحقة للعالم في 2012 والتي انتهت دون أن ينتهي العالم ولا هم يحزنون، برغم ذلك فإنّ العالم حقًا في خطر من نهاية مريعة تتهدده لكن هذه المرة ليس بإشارة غامضة تأتي من وراء عشرات القرون الماضية في سجلات مندثرة لحضارة غابرة مثل حضارة شعب المايا، ولا في التوقعات التي تتوسل لغة العلم أو قشورها إذا أردنا الدقة في التخيل المتطرف لهكذا نهاية للعالم كمثل استهداف كرتنا الأرضية بكويكب أو نيزك منفلت من عقال سيطرة الجاذبية الكونية التي تنتظم في سياقها الكواكب جميعها وكل ما يحيط بها من أقمار وكويكبات وحطام كويكبي خاضع لجاذبيتها، أو تعرض كوكب الأرض لحالة جنون كوكبي فتقوم بعكس قطبيها المغناطيسيين وما ينتج بعد ذلك من كوارث ماحقة لأشكال الحياة على وجه الأرض كأثر لهذا الانعكاس في قطبي الأرض المغناطيسيين.
إنّ الخطر الذي يتهدد كوكب الأرض بالاضطراب في مجاله الحيوي والبيئي يأتي أولاً وأخيراً من البشر ذاتهم، فإن أهم مشكلتين سيواجههما كوكب الأرض خلال القرن الحالي، هما ازدياد السكان وتغير المناخ فقد ساهم في خلقهما مساهمة مباشرة البشر فإن ارتفاع أعداد البشر من سبعة مليارات إلى 9.3 مليار بحلول 2050، بحسب التقديرات المتوسطة للأمم المتحدة، لا يمثل مشكلة في حد ذاته لكن المشكلة تكمن في توفير الطعام لملياري شخص إضافي بمجرد مرور 38 سنة فقط، علاوة على جياع اليوم، سوف يكون بالتأكيد واجبا مضنيا، فطبقا لتقديرات متوسطة اطلقتها الأمم المتحدة، فإن بنغلاديش التي سجلت 148 مليون نسمة من السكان في 2010 ستصبح 194 مليون نسمة بحلول 2050، والباكستان من 189 إلى 274 مليوناً وفي بعض منطقة الصحارى الأفريقية، فإن التغيرات الأساسية تعد بارزة للغاية، مع تضاعف الأعداد أو ربما ارتفاعها لثلاثة أضعاف في العقود الأربعة القادمة، فكينيا ذات الأربعين مليون نسمة في 2010 ستصبح 96 مليونا في 2050، بينما النيجر، القريبة من منطقة الساحل الأفريقي شبه الصحراوي الشحيح في زراعته، فسيرتفع عدد السكان فيها من 15 إلى 55 مليون نسمة. إن الأمر إزاء هذه المشكلة يبقى ليس منصبًا فقط على إمكانية إطعام هذه المليارات الإضافية من البشر فقط، بل أيضًا على إخراجهم من حالة الفقر عبر النمو الاقتصادي، من دون تحويل كوكب الأرض إلى مكب للنفايات. هل بالإمكان حقاً فعل ذلك بدون تجريف الغابات المطرية لأجل الزراعة، وتقليص مخزون الأسماك في المحيطات، وامتلاء الغلاف الجوي بالكاربون الناتج عن التغير بالمناخ بسبب آلاف محطات الطاقة الجديدة؟.
هناك مخاوف رهيبة تساور عددا من المفكرين البيئيين ذوي النظرة البعيدة للأمور من أنّ ظاهرة الدفء العالمي وتأثيراتها سوف تجتمع مع الانفجار السكاني في تفاعلات ستعمل على جعل الأمور تنحدر إلى أوضاع أسوأ بكثير. على سبيل المثال، ستواجه بنغلاديش صعوبات بالغة في إسكان 46 مليون نسمة إضافية بحلول 2050، كما هو مطروح، إذا ما بدأت تأثيرات تغير المناخ تفعل فعلها في رفع مستوى مياه البحر، مع وجود أراضي كثيرة من البلاد تحت مستوى سطح البحر من الأساس.
أن تغير المناخ يمثل المشكلة الأصعب من بين جميع المشاكل التي يواجهها عالمنا المعاصر. إنها حقًا مشكلة هائلة جدًا، فهي ترتبط بكل شيء: سياسة الطيران، النقل، الطاقة، الطاقة النووية، الزراعة وإعادة التدوير، فكيف يمكن معالجة هذه المشكلة وهي تأتي مقترنة مع المشكلة الأكبر المتمثلة في الازدياد الكبير في عدد السكان في العالم ازديادا يجعلنا نختنق بما نراكمه من انبعاثات كربونية في الغلاف الجوي للأرض، خالقين بأعدادنا الزائدة فوق المعدل والاستيعاب، قنبلة سكانية تهدد إمكانية وجودنا على هذه الأرض!.