حاتم الطائي
تنامى حُضور وسائل التواصل الاجتماعي في حياتنا اليومية، وتمدد تأثيرها ليطال مختلف جوانب الحياة، وليُدثِّر العديد من الشرائح المجتمعية بعباءة الفضاءات الواسعة..
وفي خضم هذا الحُضور الطَّاغي لهذه الوسائل يبرز التَّساؤل ماذا نُريد كأفراد ومجتمع منها؟ وكيف يُمكِن أن نوظفها في الارتقاء بالحوار المجتمعي .. خاصة وأنّ تقنية هذه الوسائل تشرع الأبواب على مصراعيها، وبدون حدود أو فواصل بين العام والخاص والخير والشر..
ولكون أنّ التقنية في حدِّ ذاتها تتّسم بالحيادية، فهي ليست خير محض ولا شر مُطلق، فهذا الأمر يُحدِّده الاستخدام، حيث يُمكن توظيف وسائل التواصل الاجتماعي في نشر قيم الخير والفضيلة والجمال، أو على النقيض يُمكن استغلالها في إشاعة الإساءات والتجاوزات وترويج الشائعات المُغرضة.. للتأثير على المجتمع بشكلٍ أو آخر لأهداف مشبوهة قد لا يُدركها المتلقي، كما قد تكون هناك أجندات خارجية تعمل على استغلال هذه الوسائل لبث سُمومها وإثارة الفرقة والفتن في المجتمع..
من هنا ينبغي الحذر في التعامل مع ما تعج به الأسافير، وإعمال العقل النَّقدي في تفكيك الشائعات والأكاذيب التي تنتشر بسرعة انتشار النَّار في الهشيم..
وكما يقول المثل فإنّ "ليس كل ما يلمع ذهباً" فهناك الكثير من المقولات البراقة تخفي في ثناياها التحريض والمُبالغة والسلب والخرافة، وللأسف نجد أنّ الكثيرين في مجتمعنا ممن أدمنوا ثقافة السلب يعملون على نشر الأخبار السلبية ويروجون لها بهمةٍ ودأب، وهذا يعكس حالة نفسية مرضية تُعرف بجلد الذات وتعني استمراء الإحباط وعدم الثقة في النفس..
بينما يملي علينا الضمير اليقظ، والوجدان السليم، والمسلك الإيجابي أن نستخدم وسائط التواصل الاجتماعي بصورة تعكس الثقة في النفس والروح الإيجابية التي ينبغي أن نتحلى بها في صناعة يومنا ونستصحبها في مستقبلنا.
لذا فإنّ هذه المنصات يمكنها أن تمنحنا الكثير من الإيجابية في حياتنا متى استخدمناها بشكل أفضل وبوعي مُتقدِّم، بحيث نقذف إلى سلة المهملات كل ما هو مسيء ويتجاوز الأعراف والمنطق .. وهذا لا يعني عدم تسخيرها في النقد البناء والهادف، دون تصيد أو مكر، حيث إنّه من الملاحظ أن هناك من يستخدمون هذه الوسائل ليتصيدوا الأخطاء في المجتمع، ليس بغرض التنبيه إليها ومعالجتها، بل بهدف التضخيم ليصنعوا من "الحبة قبة" لدرجة يشعُر فيها المتلقي وكأنّه يعيش في غابة لا ضابط لتعاملات الناس فيها، أو ينتابه الإحساس أحيانًا بأنّه في دولة بلا رقيب ولا حسيب ورصيدها في سجل الإنجازات صفر كبير..
هذه الإشارات السلبية التي تزخر بها رسائل بعض مستخدمي وسائط التواصل الاجتماعي، مسؤولة إلى حدٍّ كبير عن طغيان السلبية في بعض الأوساط المجتمعية، وعن حالة الإحباط التي تتلبس البعض عندما يطالعون محتوى هذه الرسائل.. فتتسبب بذلك في إلحاق تشوهات بالعقل والروح.. وكل هذا يستوجب وقفة لدحر روح تقزيم المنجز، والإعلاء من شأن ما تحقق بجهدنا وعملنا وإبداع شبابنا بعبقرية تدعو للانتصار للحياة والحق.
إنّ النقد مطلوب في المجتمع لتصحيح المسارات والاجتهادات الخاطئة، لكنه يجب أن يكون نقدًا بناءً ورصينًا .. لا نريد نقدًا استفزازيًا ووقحًا يجافي الأصول والمناهج المُتعارف عليها في الحوار .. نُريده نقدًا مبرأ من السب والقذف والتشهير و"شخصنة " الأمور، حيث إنها تشوهات كريهة علاوة على كونها جنحًا ومخالفات يُعاقب عليها القانون.. نتطلع إلى نقد هاجسه طرح الحلول وليس إنكاء الجروح، وصب الزيت على نيران الخلاف لتزيدها استعارًا .
إنّ الرأي الآخر مطلوب، ولكن في نفس الوقت علينا ألا نمارس الشطط في استخدام العنف .. ويمكن أن نعمل على عصف ذهني عبر تويتر أو فيسبوك أو مجموعات الواتساب للبحث عن حلول وأفكار للتطوير، وتوسيع آفاق معرفتنا بالتوظيف الأمثل لهذه الوسائل باعتبارها رافدا إثرائيًا ومعرفيًا واسعًا، للمعرفة الهادفة نحو بناء الإنسان وتجاوز التحديات سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية، وصولاً إلى تفعيل فكرة مجتمع المعرفة الذي يعمل على توظيف الأفكار لتحقيق التقدم والنجاح ..
نعم تتيح لنا وسائل التواصل الاجتماعي كل هذا وأكثر، حيث يمكن عبرها نشر المعرفة، وطرح المعلومات في مختلف مجالات الحياة والاستفادة منها..
ومن آفاق التوظيف الأمثل لهذه الوسائط - خاصة اليوتيوب - تعزيز برامج التعليم الإلكتروني، بما يدعم قدرات شبابنا العلمية من خلال اكتساب الكثير من المعارف والمهارات على مختلف المستويات، وأن نحذو بذلك حذو العديد من الدول المُتقدمة التي تطرح برامج دراسية متكاملة عبر هذه الوسائط، حيث إنّ هناك أكاديميات مرموقة منها أكاديمية خان يُمكن متابعة دروسها العلمية عبر اليوتيوب.
ونخلص إلى أنّ وسائل التواصل الاجتماعي جزء أساسي ومهم من مجتمع المعرفة ويتوجب علينا توظيفها بشكل أفضل، بعيدا عن زاوية السلب، نحو آفاق التفكير الإيجابي الذي يخدم الإنسان .. ومن هنا يتعاظم دور النخب المثقفة في أن تكون قدوة للمجتمع في الاستخدام الواعي لهذه الوسائل، وفي إرساء قواعد ومنهاج رشيد للتعامل مع ثورة المعلومات وتوظيفها لخدمة مجتمع المعرفة وبناء الإنسان المستنير القادر على مواجهة التحديات المستقبلية.