ناصر أبو عون
أربعة شُيّابٍ وطفل في سيارة، يجمع بينهم "شِيبُ" الشَّعر الذي ابيضت خصيلاته من الحزن، وشيّبت إبداعهم قصائدُ قُدّت من ضوء مصابيحهم؛ فأولهم البرفسور نائل حنون المتخصص في علوم الآثاريات واللغات القديمة واحتفت بمنجزه الجامعات الأمريكية والأوربيّة، وثانيهم الشاعر المكرّم سعيد الصقلاوي نائب رئيس اتحاد الكتاب العرب ورئيس جمعية الكتاب والأدباء، والذي أخذ بزمام الريادة لـ"قصيدة التفعيلة" في سلطنة عمان فضلا عن تخصصه في فنون العمارة والتي تركت آثارها باديةً في قدرته المتجددة على هندسة بناء القصيدة فأنجز 10 دواوين وبضعة كتب وتُرجِم إبداعه الشعري إلى عدة لغات، وأما ثالثهم فهو جامعة الإبداع العربية الشاعر والمسرحي الدكتور عبد الرزاق الربيعي صدر له أكثر من 20 ديوانًا وكتابًا ومسرحيةً، وأما رابعهم فقد كان الطفل أحمد ناصر الذي برع في العلوم والرياضيات ولعبة الشطرنج والسباحة ولم يتخط عتبة سنواته العشر. ولّينا وجوهنا شطر محافظة الداخلية، تاركين خلفنا العاصمة مسقط على بعد 220 كيلومترًا باتجاه الغرب حيث نزوى بيضة الإسلام ومأوى العلماء والفقهاء.
نزولًا من قمة الجبل الشرقي حيث كنا في "استراحة الهوتة" بضيافة الشيخ سالم بن محمد العبري، وانضم إلينا الشيخ الدكتور محمود السليمي رئيس النادي الثقافي، ووفدُ جزائري جاء بصحبة الدكتور علي بن هلال العبريّ، والشيخ حمد بن محسن العَبري شيخ قبيلة (العبريين)، ودار النقاش حول "النهضة العربية وتحدياتها في ظل صراع أقطاب النظام العالمي" وشارك في النقاش عبر برنامج "زووم" الأستاذ الدكتور سعد الدين التميمي من العراق، والشاعرة الأردنية جمانة الطروانة التي ألقت قصيدة في حب عمان وأهلها، والإعلامية المصرية هالة البدري وتعقيبات العديد من الحضور وفي مقدمتهم محمد بن منصور الهنائي.
ركبنا في تؤدةٍ؛ حيث كانت السيارة تتهادى على (طريق السحمة - صباح النعب) بولاية الحمراء؛ قطعنا مسافة 380 مترًا تتقاطع عليها (عشر قناطر) وصولنا من جهة الحارة القديمة إلى البوابة العتيقة (صباح النعب) وهي إحدى البوابات التي كانت تغلق ليلا حفاظا على أمن الحارة في الأزمان الغابرة.
على مشارف (حارة الحمراء التاريخية) كان (متحف الحمراء للنقود) يقف شامخا؛ وهو بناء أصيل من (حصن الغنيمة) الذي تقادم العهد به، فشارف على بلوغ القرنين من الزمان، وهو يتبدى للقادم من بعيد على شكل لوحة فنية، تشكّل العمود الفقري داخل جسد الحارة المعماري؛ إنه ليس مجرد بيت تراثي قديم مشيّد بالطوب اللبن ويقتطع مساحة 200 متر مربع من جغرافية المكان؛ بل أحد موروثات قبيلة العبريين، ويتكون من دورين تحوطه مزرعة من النخيل المُعمّر تغمرها الظلال الكثيفة.
توقفنا على مشارف حصن الغنيمة، وترّجلنا إلى مدخل متحف النقود؛ كان في شرف استقبالنا الشيخ حمد بن محسن العَبري شيخ قبيلة (العبريين)، وهم من سلالة رجال كانوا شهودا على مراحل تطور الدولة العمانيّة الضاربة بجذورها في عمق الوجود الحضاري للإمبراطورية العُمانية المتناسلة، عبر حقب التاريخ وسلاسل المجد المتقاطرة التي تُسلِّم أجيالها راية المجد والسؤدد جيلا بعد جيل.
وعندما خطت أقدامنا إلى ردهة الطابق الأرضي واجهتنا لوحات تحكي بطريقة شارحة تاريخ النقود منذ العصور الأولى وطرق المقايضة ومبادلة البضائع وصولا إلى مرحلة سك النقود المعدنية وانتهاء بطباعة العملات الورقية والإصدارات الرقمية، فضلا عن المسكوكات الإسلامية في العهد الساساني والأموي والعباسي والغزناوي ودولة الموحدين وغيرها من العصور المتتابعة. أما عن العملات المعدنية فقد شاهدنا عن [القرش أو (دولار ماريا تيريزا)]، و[الأرية] و[التومانو الدوكية] أو الدوكري و[المحمدية] و[العباسية]، و[الشاخة] و[الشاهي] و[الصدية] و[الغازي] و[الروبية القران] و[الأشرفي] وغيرها، والتي كانت متداولة في عمان قبل عصر سك العملة الخاصة بالدولة العُمانية والتي ظهرت في عهد السُّلطان فيصل بن تركي.
ثم انتقلنا إلى الحجرات المُتحفية، يقودنا مشرف ومؤسس المتحف الشيخ حمد العبري في جولة شارحة وقد ذكر لنا إنه منذ مطلع صباه وقبل ربع قرن أو يزيد كان شغوفا بجمع العملات من عُمان وسائر بلدان العالم، (وكوني مُغرما وهاويا لجمع العملات سواءً العمانية أو التي استخدمت في عمان وأيضا العملات الإسلامية والعربية والأجنبية، فقد اقتنيت مجموعة لا بأس بها في خزينتي الخاصة، وكنت أصبح وأمسي أتفقدها حبا في الهواية. لكن فكرت أن وجودها في تلك الخزينة ليس إلا فائدة فردية، فاتخذت القرار بإخرجها في شكل تنظيم متحفي وعرضها على الزائرين، لإثراء التنوع الثقافي في عُمان بوجه عام ومحافظة الداخلية على وجه الخصوص.
في متحف الحمراء للنقود ستقع عيناك على رزنامة من العملات المؤرشفة والمحفوظة في مكانز زجاجية ملحق بها لوحات شارحة بالعربية والإنجليزية بداية من (الروبية الهندية) التي تداولها أهل عُمان والخليج قبل طباعة الأوراق النقدية الخاصة بدولهم قبل سبعينيات القرن العشرين.
ومع التدقيق أثناء تجوالك بين غرفات المتحف ستشاهد عملات من زنجبار في زمن حكم السلطان برغش ومجموعة من العملات التي سكت في عهد السلطان فيصل بن تركي وابنه السلطان تيمور وعملات عصر السلطان سعيد بن تيمور المسكوكة في ظفار ومسقط، ومجموعة عملات جلالة السلطان قابوس طيب الله ثراه، المتداولة في السوق أو العملات التذكارية.
ويعد عام 1970م بداية لطباعة العملات الورقية العمانية؛ حيث شاهدنا (الريال السعيدي)؛ وهو أول إصدار ورقي باسم (سلطنة مسقط وعُمان)، وكان مدير الخزينة آنذاك (سي جي بي لي)، وفي عام 1972 ظهر الإصدار الثاني باسم (مجلس النقد العماني)، وصدر (الريال العماني) بديلا عن الريال السعيدي وكان (محمود محمد مُراد هو أول عُماني وقّع على العملة العمانية)، ثم قام البنك المركزي بعد إنشائه في عام 1974 باستبدال هذا الإصدار بالإصدار الثالث في عام 1976م وكان موقعا من قبل (سُّمو السيد طارق بن تيمور)، ويتميز هذا الإصدار بوجود صورة صاحب الجلالة السُّلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- في فئتي العشرين ريالا والخمسين ريالا.
وجاء الإصدار الرابع سنة 1985 بإشراف البنك المركزي العماني وبتوقيع المغفور له بإذن الله تعالى السُّلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- ثم تبعه الإصدار الخامس من الأوراق النقدية لفئات 50 ريالا و20 ريالا و10 ريالات و5 ريالات والتي لا تحمل على واجهتها الشريط الأمني الهولوغرافي اللامع. كما يشتمل المتحف أيضا على العملة الورقية الحالية والتي تمثل الإصدار السادس والمتميزة بعضها بصورة جلالة السلطان هيثم بن طارق، ما عدا الفئة خمسين ريالًا، فبها صورة السلطان قابوس- طيب الله ثراه.