جسر بحري يربط خصب بإيران

 

حيدر بن عبدالرضا اللواتي

haiderdawood@hotmail.com

 

في عام 2006 طُرحتُ فكرة هذا المقترح في وسائل التواصل الاجتماعي من قبل بعض السبلات العمانية المعروفة التي كانت تتناقل هذه القضايا الحيوية التي تهم هذا الجزء من الوطن العزيز في شمال عمان المطل على مضيق هرمز، والذي يمثّل موقعاً استراتيجياً لإقامة مدينة اقتصادية وتجارية حرة ومتنوعة ما بين فعاليات وأنشطة تجارية وأخرى صناعية مختلفة، في الوقت الذي يعتمد فيه الكثير من أهاليها على الحركة البحرية والبرية للوصول إلى الأسواق المجاورة.

مقابل هذه المدن العمانية وأهمها مدينة خصب، يبعد عنَّا ميناء بندر عباس الإيراني حوالي 22 ميلاً بحريًا، الأمر الذي يُعطي الفرصة للبلدين الصديقين لإنشاء جسر بحري على غرار الجسور التي أنشأتها بعض الدول في السنوات الأخيرة ومنها جمهورية الصين الشعبية التي ربطت عددا من مدنها وجزرها المتعثرة بجسور بحرية. ولا نسبتعد أن تبدي الصين من جانبها ارتياحًا تجاه هذا المشروع الحيوي، خاصة وأنها مهتمة بتعزيز قضايا طريق الحرير لتعزيز التجارة العالمية.

هذا الجسر البحري سيكون وصلة خير ليس للبلدين عمان وإيران فحسب، وإنما لجميع دول مجلس التعاون الخليجي التي تعمل على تعزيز التنويع الاقتصادي وأن تصبح دول المنطقة دولاً صناعية منتجة، وتقوم بتصدير منتجاتها الصناعية وغيرها إلى الدول الآسيوية التي تحيط بجمهورية إيران الإسلامية، بجانب تعزيز الإمكانات السياحية بين دول المنطقة وفتح مزيد من العلاقات الثنائية والجماعية فيما بينها، الأمر الذي سوف يسهّل من وصول الأفراد ورجال الأعمال إلى طرفي الخليج دون وجود أية عقبات. كما إن هذا الجسر بموقعه وما يحيط به من مناظر خلابة من الجبال الشاهقة والمياه الزرقاء البديعة سيكون مصدر خير للأفراد والمؤسسات التي سوف تقوم بتأسيس المشاريع المكملة بين الطرفين. وبالرغم من أن أيادي التنمية امتدت إلى تلك المدن العمانية خلال السنوات الماضية، إلا أن الإمكانات التجارية والاقتصادية بوجود المعادن والثروة المائية والسمكية والسياحية كبيرة في تلك المناطق. ومع وجود جسر بحري بين الدولتين فإنه من الممكن مضاعفة تلك المشاريع التي ستكون مصدر خير للكثير من الأفراد والمؤسسات سواء في الجانب السياحي أو الخدمي وغيره. فهذه المناطق التي تحيط بالدولتين السلطنة وإيران لها خصوصية تاريخية أيضًا، حيث توجد بعض القلاع والحصون والوثائق التاريخية التي تتحدث عن الشخصيات والقبائل التي عاصرت الكثير من الأحداث والمعارك التي شهدتها المنطقة في تلك الفترات.

إن السلطنة وجمهورية إيران الإسلامية لديها الكثير من الاتصالات واللقاءات المشتركة بجانب اللجان التي تسيّر الأعمال بين الطرفين. أما التجارة بينهما فهي نشطة بالرغم من أن محاولات التهريب من قبل بعض التجار أحياناً تعكر هذه الأعمال. فولاية خصب مؤهلة لتكون مركزًا تجارياً بين الطرفين، وسهولة انتقال السلع والبضائع في حال وجود جسر بحري سيعمل على تعزيز التجارة والقضاء على عمليات التهريب البحرية التي تتم في الليل، في الوقت الذي يمكن للدولتين الاستفادة من الضرائب التي سوف تفرض على انتقال السلع والمنتجات بينهما وفي مجال إعادة التصدير. ومع محاولات العالم لإنهاء الحظر الاقتصادي على إيران بسبب برنامجها النووي فإنَّ العمل المصرفي في المنطقة سوف يشهد مزيداً من التعاون مع الانفتاح العالمي وتقديم المزيد من التسهيلات، الأمر الذي سوف يساعد على القضاء على محاولات التهريب والذرائع الأخرى؛ فإيران تحتاج للحصول على الكثير من السلع والمنتجات التي يتم تصنيعها في المنطقة بالرغم من تواجد الكثير من الصناعات الكبيرة في إيران. إلا أن هناك رغبة شديدة من الإيرانيين لشراء الإلكترونيات والأجهزة المنزلية والأدوية والسيارات وقطع غيار السيارات والمواد الغذائية الجافة وغيرها من السلع والمنتجات الأجنبية التي يمكن إعادة تصديرها من المنطقة بسرعة كبيرة من خلال تواجد الجسر البحري بين الطرفين.

وأي انفراج بين العالم وإيران بشأن البرنامج النووي سيكون في مصلحة الكثير من الدول التي تأمل إعادة العلاقات بينها وبين إيران، ولكن في حال تبني مقترح بإنشاء جسر بحري بين السلطنة وإيران، فإنَّ هذه الخطوة ستعزز الكثير من الجوانب التجارية والاقتصادية والسياحية بين البلدين، خاصة وأن السلطنة أصبحت اليوم تضع نفسها على خريطة المدن الاقتصادية الحرة من خلال مدينة الدقم الاقتصادية والموانئ التجارية الأخرى التي أنشأتها في السنوات الماضية.

إن الجميع على علم بأهمية مضيق هرمز الذي يقع عند مدخل خليج عمان وإيران؛ حيث يمر من خلاله حوالي 40% من الإنتاج العالمي من النفط للعديد من دول مجلس التعاون الخليجي. وفي السابق كانت جزيرة هرمز مملكة غنية ومركزا تجاريا عالميا خاضعة لأسر عُمانية قبل أن يحتلها العمانيون. وخلال السنوات الأخيرة نفذت الشركة الوطنية للعبارات بعض الرحلات البحرية التجريبية إلى موانئ إيرانية انطلاقاً من ميناء السلطان قابوس بمطرح، إلا أنها لم تستمر طويلاً لظروف يعرفها المختصون في البلدين، ولكن مع وجود جسر بحري حديث ومع تسهيل حركة السيارات والشاحنات والقطارات أيضًا فإن هذا العمل سيعمل على تغيير المنطقة بشكل سريع، خاصة إذا تم وصول المنتجات الخليجية إلى أماكن محيطة بإيران من الناحية الآسيوية والأوروبية. وهناك ثقل سكاني واقتصادي في تلك الدول، وبعض دولها تنتج سلعا أساسية نحتاج إليها في الاستهلاك اليومي كالرز والقمح وغيرها. وهناك اليوم عشرات من جنسيات تلك الدول تعمل لدينا في دول مجلس التعاون الخليجي والتي يمكن أن تصل إلى دولها عبر هذا الجسر البحري، بجانب تمكينهم من القيام بالسياحة في المدن التي سوف يمرون عليها حتى الوصول إلى مقارهم.