أحمد بن خلفان البدوي **
** خبير اقتصادي
النظرة التحليلية للاقتصادات في الدول الناشئة لاسيما تلك التي تعتمد في أركان تنميتها على الإيرادات النفطية ستكون حتماً غير قادرة على توضيب المخرجات المهنية والتعليمية في سوق العمل بقطاعيه العام والخاص إذا لم تسارع جهات الاختصاص لتبني مسارات تكاملية واضحة بدءًا من الجهات التنظيمية لبيئة الاستثمار ووصولاً إلى الجهات الداعمة والمحركة بشكل يضمن بناء التوازن الاقتصادي والمُضي في تمكين المخرجات للعمل في القطاع المؤسسي بشقيه العام والخاص والتوظيف الذاتي بما يحقق تكافؤ الفرص والتوازن المُجتمعي.
ولو أخذنا السلطنة نموذجاً لهذا التوجه نجد أنَّ الأهداف التنموية والفكر الذي تمَّ رسمه وتسخيره في مرتكزات رؤية 2040، تلك النظرة الثاقبة التي يوليها مولانا حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظم - حفظه الله ورعاه - جُل اهتمامه بدأت ثمارها ميدانياً بصدور المراسيم والتوجيهات السديدة التي تهم الشأن الاقتصادي كأولوية مجتمعية، فإنه وبلا شك وتيقن تام لهذه التوجيهات سوف تدفع بالجهود التي يقوم بها المركز الوطني للتشغيل وتفعيل البرامج والتطبيقات الإلكترونية التي من خلالها يتم إحداث التغيير والتغلب على ديموغرافية الفكر السائد لدى الكثير من الشباب ممن كانت لديهم الهمم والإرادة للعمل وعدم طول الانتظار لوظيفة ما طالما أنَّ هناك توجه يُركز على تنمية أسواق العمل ودعم الابتكار في كافة القطاعات الاقتصادية، وعلى سبيل المثال لو أخذنا في الاعتبار تداعيات الأزمة الحالية Covid19، فإنَّ الأمر يدفعنا وبدون أي تردد وأكثر من أي وقت مضى إلى استحداث مؤشر التوازن الاستثماري الذي من خلاله نَقيس ونُقنن ونُعمن ونُنظم وذلك انطلاقاً من التوجيهات السامية لقائد البلاد المُفدى -حفظه الله ورعاه- لرسم خارطة اقتصادية لمجابهة والتقليل من آثار الأزمات التي من شأنها أن تؤدي- لا قدَّر الله- إلى عدم التوازن بين الطلب والعرض وأيضًا إيجاد الحلول السريعة لمُعالجة أي انكماش اقتصادي قد تتأثر به الأسواق المحلية.
وإذا كان الانفتاح الاستثماري مطلبًا ومسعى من قبل اقتصادات الكثير من الدول النامية لاسيما منها دول الخليج العربي الذي يتمثل في تقديم التسهيلات والحوافز لجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية لبعض الشركات ورجال الأعمال الذين أصبحوا على حدٍ سواء يبحثون عن الاستقرار الذي يُؤمن استثماراتهم والحفاظ على عملائهم من المستوردين لاسيما وأنَّ السلطنة من بين الدول الأكثر استقرارا وبُعدا اقتصاديًا حسب تقييم مؤشرات نمو بيئة الأعمال والتنافسية من خلال موقعها الجغرافي ومكانتها اللوجستية، إلا أنَّ بعض الإجراءات التنفيذية في البيئة الاستثمارية يشوبها شيء من القصور أو النقص وسبب ذلك عدم تكاملية الأنظمة حتى تاريخه، وهناك جهود مبذولة في هذا الجانب لا ننكرها، كما إنَّ الاستقراء الميداني الحالي في ظل غياب مؤشر توازن بين جهات بيئات الاستثمار يسوده النقص من حيث التنظيم والتنسيق في العمليات الإجرائية التي تؤمن سرعة احتواء هذه الاستثمارات وتوطين الفرص الاستثمارية الجادة التي تأتي ضمن أولويات برامج التنويع الاقتصادي، الأمر الذي يتطلب العمل بمؤشر التوازن الاستثماري المُرتكز على مسارين الأول: ضمان دوران رأس المال من خلال زيادة الحراك الاقتصادي الداخلي الذي يُمارسه رواد الأعمال والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة من أصحاب الإرادة والطموح كونه يحقق تطلعاتهم وتحقيق نظرة الحكومة في إرساء برامج التوظيف الذاتي والثاني: يعطي الاستثمارات الأجنبية القدرة على تحديد نوع وطبيعة الاستثمار وفق احتياجات السلطنة وضمن توجهات الحكومة الرشيدة من خلال تحديث قانون الاستثمار الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 50 لسنة 2019م، والهدف من تطبيق مؤشر توازن بالمسارين تحقيق قيمة مضافة في كافة الحقول الاستثمارية يتوزع في الاستثمار الخدمي المتمثل في قطاعي الخدمات والبيع بالتجزئة والتنويع الاقتصادي والذي يتمثل في الصناعات الخفيفة والتحويلية والأمن الغذائي واللذين من شأنهما أن يسهما في نمو الناتج المحلي باعتباره صمام الأمان الداخلي في أوقات السلم والأزمات.
والنظرة الاستشرافية لمؤشر توزان في بيئة الاستثمار يجب أن تؤُطر تحت تنظيم إداري مستقل كون أن الكثير من الإجراءات الحالية بُنيت بذات النمط التقليدي وساد في الكثير منها الاجتهادات وسيادة الموقف الذي أدى إلى فقدان وغياب الفرص الاستثمارية، وكما أسلفنا في مقالنا السابق أن الحاصل في الواقع الميداني وجود منشآت تعمل في أنشطة اقتصادية تتركز في قطاعي الخدمات والبيع بالتجزئة وهو ما قد يُحدث مستقبلاً خللا في البيئة الاستثمارية ككل لو لم يتم تأطير الإجراءات وفق مساري الاستثمار الخدمي وبرامج التنويع الاقتصادي من خلال اتباع رسوم تفاضلية بين الأنشطة الاقتصادية والحقول الاستثمارية مع تحديد أولويات التوازن في الأسواق المحلية في مُقدمتها بلوغ وتحقيق الاكتفاء الذاتي التي يمكنها لاحقاً بدراسة تقنين المنتجات المستوردة المناظرة للمنتجات الوطنية ومنح منتجاتنا مساحة كافية وأولوية من خلال اتباع إجراءات تتبع مسارات وإحصائيات عمليات الاستيراد المناظرة لمنتجاتنا الوطنية ومُراعاة ذلك عند إبرام الاتفاقيات الخاصة للتبادل التجاري مع الدول لتكون المُنتجات الوطنية هي الأمن والأمان الاقتصادي الذى يُعتمد عليه في أوقات السلم والأزمات.