"الأكاديمية السلطانية للتشغيل"

 

 

 

بدر بن سيف الشندودي **

 

استشراف المستقبل يمثّل نهجًا راسخًا في فكر القيادة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- والذي يواصل عبر توجيهاته السامية ترسيخ دعائم التطوير المؤسسي، وتمكين الإنسان العُماني، وتعزيز التحوّل نحو اقتصاد المعرفة، بما ينسجم مع رؤية "عُمان 2040".

وفي هذا الإطار الاستراتيجي، تأسست الأكاديمية السلطانية للإدارة، بهدف تأهيل القيادات الإدارية في القطاعين العام والخاص، وتعزيز ثقافة الابتكار والكفاءة، وتطوير المهارات المستقبلية اللازمة لقيادة الجهاز الإداري للدولة وفق أحدث المعايير العالمية.

وبالتوازي مع هذه الرؤية المؤسسية، تواجه سلطنة عُمان اليوم تحديًا متناميًا يتمثّل في ارتفاع أعداد الباحثين عن عمل، والتي تجاوزت حاجز 100 ألف باحث، إلى جانب تزايد ملحوظ في حالات التسريح من العمل الناتجة عن التحوّلات الاقتصادية التي يشهدها سوق العمل؛ حيث تخطّت التقديرات حاجز 15 ألف عامل مُسرَّح، وهو مؤشر غير مسبوق في معدلاته الحالية، يستوجب التفكير في حلول هيكلية مستدامة لا تقتصر على المعالجات قصيرة المدى.

وفي هذا السياق، جاءت التوجيهات السامية لدعم التشغيل، بزيادة مخصصات برامج التشغيل إلى 100 مليون ريال عُماني، وتمويل أكثر من 25 ألف فرصة تدريب سنويًا، إضافة إلى استفادة 35 ألف مواطن من البرامج التشغيلية، من بينهم 6 آلاف مستفيد من مبادرة دعم الأجور، وتسجيل أكثر من 3 آلاف مؤسسة في منصة توطين التي تجاوز عدد مستخدميها 100 ألف مستخدم، وهو ما يعكس حجم الجهود الوطنية المبذولة لتمكين الشباب وتلبية احتياجات القطاع الخاص.

ورغم أهمية هذه المبادرات، يظل الأمان الوظيفي ومنفعة الباحثين عن عمل بحاجة إلى إطار مؤسسي أكثر تكاملًا يضمن الاستدامة، ويربط بين الدعم المالي والتأهيل الأكاديمي والمهني، مع تعزيز الشفافية في نشر بيانات التسريح، وتوسيع دائرة الاستفادة من برامج التدريب وإعادة التأهيل، بما يحقّق توازنًا بين إنسانية الحاجة ومتطلبات التنمية الاقتصادية.

ومن هذا المنطلق، تبرُز فكرة إنشاء الأكاديمية السلطانية للتشغيل كمبادرة استشرافية وطنية يمكنها أن تمثّل نقلة نوعية في منظومة التشغيل، عبر تأسيس كيان أكاديمي ومهني متخصص، يتكامل مع برامج وزارة العمل، ويخفّف الضغط على مؤسسات التوظيف التقليدية، ويوحّد المبادرات التمويلية تحت مظلة واحدة، تستهدف بناء قدرات الشباب العُماني واحتضان فئة المسرَّحين، وتحويل الدعم المالي إلى استثمار بشري مستدام.

وفيما يلي نطرح الفوائد الاستراتيجية المقترحة للأكاديمية:

  1. بناء منظومة وطنية خالصة تُدار بكفاءات أكاديمية عُمانية مؤهَّلة، وتعمل على تطوير المحتوى التدريبي وفق احتياجات سوق العمل.
  2. استيعاب الباحثين عن عمل والمسرَّحين ضمن برامج تدريب وتأهيل مستمر، بالتكامل مع منافع الأمان الوظيفي ودعم الأجور.
  3. رفد القطاعات الحكومية والعسكرية والمدنية بالكفاءات الشابة المدرَّبة في المجالات التي تتطلبها الخطط الوطنية.
  4. دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة عبر توفير عمالة ماهرة تُشغَّل وفق أنظمة دعم الأجور والتدريب على رأس العمل.
  5. تعزيز العقود محددة المدة في القطاعات الحيوية عبر إعداد قوى عاملة جاهزة تمتلك المهارات التشغيلية المطلوبة.
  6. الاستفادة من الخبرات الأكاديمية الوطنية في توجيه البرامج البحثية والتطبيقية، بما يجعل الأكاديمية مختبرًا علميًا وطنيًا للابتكار في سياسات التشغيل.

وأخيرًا.. إنَّ إنشاء الأكاديمية السلطانية للتشغيل ليست مجرد فكرة وظيفية؛ بل إنه تصوّر وطني استراتيجي يمكن أن يسهم في تطوير سياسات التشغيل، وتعزيز الأمان الوظيفي، وبناء قوى عاملة مؤهَّلة، وقد تشكّل مستقبلًا ركيزة مؤسسية جديدة في تحقيق مستهدفات رؤية "عُمان 2040"، ونموذجًا وطنيًا يحتذى به في إدارة تحديات سوق العمل وتحويلها إلى فرص تنموية مستدامة.

** باحث في الشأن العمالي

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة

z