مُزنة المسافر
بيروت تعرفك جيدًا يا شادي، موتورك وسط شوارعها، تحوم أنت بالدراجة النارية والكل يرى دخولك بين الطرقات، وينتظرك على الأوتوستراد، هل ستعود في الميعاد؟
هذه المرة دراجتك تحمل الدربوكة، المربوطة بالحبال، والموضوعة في صندوق التوصيل، ماذا ستقول الدربوكة يا شادي: الدمبك تك تك دمب، وهل هي ذويقة في اللحن؟ وعريقة في المتن؟
وماذا لو قالوا لك: مش هيك! كيف سترد يا شادي، يا غالي على قلب أمك وأبيك، كيف سترد على من ينادي بالغيَّظ، وهل سيطول بالك؟، ويتغير وصالك مع الناس بعد هذه الطبلة.
بطنها يطق طق، تك تك، وهل ستقول للدربوكة أنك تعمل في مطعم يبيع الشاورما؟ وما العيب في الشاورما، الشغل مش عيب، والدنيا كلها تدور في أفلاكك، فالناس تقابلك بالكلام الطري المعسول، وهذا يجعل الفرد مشغولًا.
مشغول بماذا يا شادي؟
بالطلبات طبعًا والزبائن.
وطاولات مطعم المعلم سمير فرشت أجمل الأقمشة، مناديل وزينة، وأنوار رزينة، للناس التي جاءت لأنها جاعت وأرادت أن تتذوق التبولة أو الكبة النية أو ربما اللحمة وأين هي الكنافة والقهوة؟ ضعها هناك يا شادي، اجعلها تبقى على الطاولة تلك الأطباق الكثيرة التي كانت سائرة فوق الرؤوس وهل النفوس مستعدة للمذاق اللذيذ؟
أسمع المعلم سمير يقول لك إلى أين؟
المعلم سمير: مش هون، هونيك يا شادي!
شادي: حاضر.. تكرم عينك.. انشالله انشالله.
ما أطيب قلبك يا شادي، هل لديك شعبية أو كاريزما من نوع ثاني؟
انظر للزبائن السعيدة، هل هي ودودة بفضل وجودك يا شادي؟، وهل أحدهم يعرف عن الدربوكة،
التي جاءت إليك مربوطة، محبوكة حول قصة شهرة قديمة، وحلم صغر لم يتحقق.
آن الوقت يا شادي، أن يسمعك الناس، تصدح، تصرخ، لا من ربكة، قد جاءت الدربكة، ولن تكون وحيدًا، ولن يختنق صوتك من جديد أمام النساء الجميلات، وهل ستخبر كارلا اِبنة أنطوانيت أنك غنيت للعالم، وطلبت أن يتحقق حلم قائم على ماضٍ يريد أن يعود.
لقد ألغت كارلا كل ما هو موجود في قلبك، فكرت في جيبك، لكن دعها تنتظر حتى تصبح أنت بتلك الدربوكة مشهورًا ومعمورًا بالمال والمصاري، حينها فقط ستسلم عليك، وستأتي للمطعم كل ليلة وستسأل عنك: كيفك يا شادي؟، انشالله منيح.
منيح! ستكون بخير أكثر، حين تسلم كارلا عليك وسط الناس، إنها نازلة في التو بكعبها العالي من البناية الطويلة، خرجت من صالون التجميل النسائي بتلك القصة وبأجمل غُرَّة.
عينها تلقي نظرة عليك من فوق، أنت تحت وسط أنوار تشع وزينة مطعم تخبر بالازدحام، هنا قلبك يتك يتك ويخفق كما يطق طق كعبها الطويل، هل غاب عقلك يا شادي وكسرت الأطباق؟
معلم سمير: يخرب عقلاتك يا شادي، لقد كسرت صحنًا من جديد.
لملم كل شيء يا شاغل نفسك بقصص المراهقين، لقد صرت رجلًا يا شادي، لا بُد أن تنسى كلام الجرائد وقصص المسلسلات وثرثرة نسوة العمارة.
إنك تريد أن تكبر يا شادي والدربوكة تعرف جيدًا أنك موهوب، وأنك من أهل الفن، ستأخذك الدربوكة إلى الأعالي، يا شادي يا من على قلب أمك وأبيك غالي.
اسأل الدربوكة سؤالًا بسيطًا: من تعرفين؟
وسترد الدربوكة: لا أحد غيرك يا شادي.
وكتر خير الله، أنك حصلت عليها، وأنها بداية الرواية وأصل الحكاية، وقد تأتي أجمل الفصول مع ضربة صغيرة على رأسها، وهي ستخبرك القصص التي تتمنى أن ترويها وتحكيها للناس والعالم بصوت شجي، عذب، وفي، كما هو صوت كارلا الندي.
