وصفة للراحة النفسية

 

 

 

 

سعيد المالكي

 

هناك مثل دارج يقول: "اعمل نفسك ميت"، لا بالمعنى الحرفي، وإنما يُستخدم ليعني: تجاهل، لا تُظهر اهتمامًا، وتصرّف كأنَّ الأمر لا يعنيك، حفاظًا على سلامتك.

دعني أقولها لك بهدوء، من باب النصيحة لا السخرية: اعمل نفسك ميت، فربما تعيش أسعد.

أعرف أنك شخص واعٍ، متعلم، وتفهم ما يجري حولك. تقرأ القرارات، وتربط بينها وبين واقعك، وتستنتج نتائجها قبل أن تُطبّق. تفهم مآلات الأمور، وتدرك أين يمكن أن تقود، وتقول في نفسك: هذا القرار سيُؤثر، أو العواقب معروفة. لكن، ماذا بعد هذا الفهم؟

كلما صدر قرار جديد، لا تكتفي بالمرور عليه مرور العابر، بل تحلله، وتناقشه، وتتابع ما يُكتب عنه، وتقرأ آراء تشبه رأيك، وتحليلات قد تكون أدق. ثم تمضي الأيام، ولا شيء يتغيَّر. بل يمضي القرار في طريقه مُطمئنًا، لا يلتفت، وكأنَّ هذا الفهم كلّه لم يحدث. وتبدأ في التساؤل: هل المُشكلة في القرار؟ أم في الفهم؟ أم في الاعتقاد أنَّ الفهم وحده يكفي؟

قد تُسرَّح من عملك. وقد يصدر ما يُؤثر في حياتك أو يُعرقل أحلامك التي بنيتها بتأنٍ، أو أحلام أبنائك الباحثين عن عمل. وقد تكون لديك رؤية، وتظن -وربما بحق- أنها أفضل وأكثر واقعية. لكن، في النهاية، لا يمكنك أن تفعل شيئًا حيال ذلك.

هنا تحديدًا، تأتي النصيحة التي لا تُقال عادة بصوت عالٍ: اعمل نفسك ميت. ليس يأسًا، ولا استسلامًا، بل محاولة للنجاة. نجاة نفسية قبل كل شيء.

فالإصرار على الفهم، والتحليل، والغضب الصامت، قد يقودك إلى الإرهاق، ثم إلى المرض النفسي، وربما إلى التعذيب الداخلي المُستمر. وكل ذلك من أجل أمور لا تملك تغييرها. ولأنَّ كل نفس ذائقة الموت، مهما اختلفت الأسباب، فأن تعيش ما تبقى بسلام، وأن تموت وأنت سليم النفس، خير من أن تذبل حيًا بسبب قهر لا طائل منه.

اعمل نفسك ميت، وحاول أن تعيش حياتك بسلام، مهما كان وضعك صعبًا. ركّز على ما تستطيع تغييره، واترك ما عجزت عنه، فالأمور أولًا وأخيرًا بيد الله.

وقد ترى أنَّ المسؤولين مخطئون في قرار ما، لأنك مُتعلم، ولأنك تفهم مآل بعض الأمور. وقد يكون ظنك في محله. لكن، اعمل نفسك ميت.

المسؤولون، وإن كانوا بشرًا مثلك، فهم أدرى بالصالح العام، ربما بحكم مواقعهم، واطلاعهم على الصورة الكاملة، ومعرفتهم بتفاصيل لا تصل إليك، ولا تُتاح لك. أو ربما لأنَّ القرارات العامة بطبيعتها لا تُفصَّل بطريقة شخصية لتلائم ظروف كل شخص على حدة، بالتالي تظهر قاسية أو غير منصفة من زاوية فردية، حتى وإن استهدف -في مجمله- مصلحة أوسع.

كلماتي لا تحمل استهزاءً بأحد، ولا دعوة لقتل الوعي، بل توصيفًا ساخرًا لحالٍ يعيشه كثيرون.

حال من فهموا أكثر مما ينبغي، فتعبوا أكثر مما يحتملون.

اعمل نفسك ميت، ليس لأنك لا تفهم، بل لأنَّ الفهم -حين لا يجد أثرًا- يتحول من نعمة إلى عبء.

الأكثر قراءة

z