المحافظات لن تضيف قيمة ما لم تصبح مراكز للإنتاج

 

 

 

نصر الله العجمي

لا تزال محافظاتنا تُدار بوصفها مناطق خدمية، يتركز دورها في تنفيذ السياسات وتقديم الخدمات، بينما يبقى القرار الاقتصادي والاستثماري الحقيقي متمركزًا على المستوى المركزي. هذا النمط الإداري يحدّ من قدرة المُحافظات على الإسهام الفعلي في النمو الاقتصادي، ويُبقي التنمية المحلية مشروطة بالاعتمادات المركزية لا بالمبادرات الإنتاجية المحلية.

تضيف المحافظات قيمة للاقتصاد عندما تتحول إلى مراكز للإنتاج وليس مناطق لتقديم الخدمات، بل إلى قواعد تنموية تستثمر مواردها المحلية وتولّد فرص عمل مستدامة وتبني سلاسل قيمة محلية وتسهم في تحقيق نمو متوازن بين المحافظات.

يشير النظام الأساسي للدولة الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 6/2021 إلى أن الاقتصاد العُماني يقوم على مبادئ اقتصاد السوق مع التزام الدولة بالعدالة الاجتماعية، وهو ما يعبر عن نهج اقتصاد السوق الاجتماعي. وفي إطار هذا النهج، تُعد اللامركزية الإدارية والتنموية أداة رئيسة لتمكين المحافظات من المساهمة الفاعلة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

لا ريب أنَّ وجود خطة اقتصادية ملزمة لكل محافظة سيُسهم في تحقيق لامركزية اقتصادية حقيقية، تعمل ضمن إطار الرؤية الوطنية، وتُحدّد بوضوح القطاعات الإنتاجية ذات الميزة النسبية في كل محافظة، والمشروعات القابلة للتنفيذ خلال مدد زمنية محددة، وأدوات التمويل المناسبة سواء كانت حكومية أو عبر الشراكات أو التمويل التنموي أو الخاص، إلى جانب مؤشرات أداء تُقاس بالأثر الاقتصادي لا بعدد الأنشطة المنفذة. فغياب هذه الخطة يعني عمليًا استمرار المحافظات كجهات خدمية، مهما توسعت صلاحياتها الإدارية.

كما إن تحويل المحافظات إلى مراكز إنتاج يتطلب إعادة تعريف دورها التنفيذي ليشمل تطوير محافظ استثمارية محلية مرتبطة بموارد كل محافظة، سواء في الزراعة أو السياحة أو اللوجستيات أو الصناعات الخفيفة أو الطاقة المتجددة. ويشمل ذلك تمكين المحافظات من اقتراح واعتماد مشاريع إنتاجية ضمن سقوف مالية وضوابط واضحة، بدل الاكتفاء برفع الطلبات، إضافة إلى ربط الموازنات المحلية بالأداء الاقتصادي الفعلي مثل خلق فرص عمل ورفع القيمة المضافة وتنمية سلاسل الإمداد المحلية.

وتُظهر بيانات وزارة المالية في الميزانية العامة والخطة الخمسية العاشرة (2021- 2025) أن أكثر من 70% من الإنفاق العام في سلطنة عُمان يذهب إلى الإنفاق التشغيلي، مقابل أقل من 30% للإنفاق الاستثماري، ولربما هذا لا يتسق مع اولويات الانفاق العام الكفيلة بتحقيق رؤية "عُمان 2040". هذا النمط لا يكتفي بتقييد قدرة المحافظات على إطلاق مشاريع تنموية منتجة، بل يُكرّس اعتمادها الدائم على المركز، ويُضعف مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي، ويُفرغ أهداف التنويع الاقتصادي من مضمونها العملي، طالما بقي الاستثمار الإنتاجي في المحافظات أولوية ثانوية لا محورًا رئيسيًا للسياسات المالية.

ويُقاس نجاح المحافظات كوحدات اقتصادية بالأثر لا بالإجراءات، فلا يكون المعيار بعدد الاجتماعات أو سرعة إنجاز المعاملات؛ بل حجم الدخل المحلي المتولد داخل المحافظة ومساهمة المحافظة في الناتج المحلي الإجمالي وقدرة الاقتصاد المحلي على الاستمرار دون دعم تشغيلي دائم من المركز.

إن الجهات المعنية مطالبة بتوضيح الخطة الاقتصادية المعتمدة لكل محافظة، وبيان مرتكزاتها وأهدافها وآليات تنفيذها؛ بما يضمن وضوح الرؤية الاقتصادية، ويعزز دور المحافظات كشركاء فاعلين في التنمية، لا كجهات خدمية تقتصر مهامها على التنفيذ الإداري فقط.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة

z