سلطان بن ناصر القاسمي
في هذه الحياة نمر بمواقف كثيرة؛ إيجابية أحيانًا وسلبية في أوقات أخرى، والكثير منَّا يقع تحت تأثير تلك المواقف السلبية، مما يحتاج إلى وقتٍ طويل حتى يستطيع أن يتجاوزها ويتجاهلها ويبتعد عنها. ولكي تكون لدينا القدرة على عدم التفاعل مع الأمور السلبية والمزعجة من الآخرين، لا بدّ أن نجيد فنّ التجاهل الذكي، وهو أن تحتفظ بسلامك، وتُجيد فنّ الغفلة الانتقائية، وأن تمرّ بأمان بين الكلمات والأسطر، وتوقن يقينًا أن ليس كل أمرٍ يستحق الوقوف عنده.
فنّ التجاهل والصمت مهارةٌ استراتيجية للتعامل مع السلبية والمواقف الصعبة في حياتنا؛ فمن خلاله نستطيع التخلّص من اللحظات المُزعجة، واختيار اللحظة المناسبة للتركيز على الذات بدلًا من الانجرار خلف الاستفزازات أو المشكلات. وهو يعكس قوة الشخصية، ويحفظ السلام الداخلي، ويجنّب الخلافات، ويساعد في بناء حدود صحية بين الأشخاص، ويتضمّن أن تكون صامتًا عندما يكون الكلام بلا فائدة، وأن تتجاهل ما لا يضيف قيمةً لحياتك حفاظًا على طاقتك.
يقول الله تعالى في سورة يوسف (الآية 77): ﴿قَالُوا إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ ۚ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ ۚ قَالَ أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا ۖ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ﴾.
وتعني الآية أن يوسف عليه السلام كتم ما سمعه من إخوته الذين اتهموه بالسرقة، ولم يُظهر لهم غضبه أو ما كان يعتمل في نفسه؛ بل قال في سرّه: أنتم شرٌّ مكانًا والله أعلم بما تصفون، أي أنتم أسوأ حالًا مني بكذبكم وافترائكم، والله وحده يعلم حقيقتكم وحقيقة ما تقولون. وتُبرز هذه الآية الصبر والحكمة والتغافل في مواجهة الظلم، وتدبير الله، وهنا يظهر فنّ التجاهل الحقيقي في التعامل مع المواقف الصعبة في الحياة.
والتجاهل الذكي هنا أن تبتعد عن التأثيرات السلبية لبعض الأشخاص، ومن يتقن هذا الفن يستطيع أن ينأى بنفسه ويبتعد عن كثيرٍ من المشكلات التي لا ينفع فيها لومٌ ولا عتاب. ونصيحتي من واقع تجربة أن تبتعد عن نصح أو مناقشة من تحب، سواء من أقاربك أو أصدقائك، حتى تحتفظ بعلاقتك الطيبة بهم. رحم الله امرأً تغافل من أجل بقاء الود، فنقاء القلب ليس عيبًا، والتغافل ليس غباءً، والتسامح ليس ضعفًا، والصمت ليس انطواءً، وإنما تربية وعبادة.
ومن فوائد التجاهل والصمت حفظ السلام النفسي، الذي يمنعك من الانجرار وراء السلبية ويحمي طاقتك. كما يساهم التجاهل في بناء القوة الداخلية، ويجعلك أقوى أمام الانتقادات والتحديات، ويساعد على وضع حدود واضحة مع الأشخاص المؤذين أو المتلاعبين الذين قد يظهرون في ثوب النفاق. وفي الجانب الإيجابي لفن التجاهل تحسين العلاقات من خلال تجنّب قول أشياء قد تندم عليها في لحظات الغضب.
وفي المقابل، متى نستطيع استخدام فنّ التجاهل بذكاء؟ أولًا في أوقات الغضب والمشاحنات الكلامية، حيث يمكننا التوقف عن الجدال وتجنّب قول أشياء نندم عليها لاحقًا أمام أشخاص سلبيين. كذلك نستخدم التجاهل عند عدم معرفتنا بما سنقوله، فالصمت هنا أفضل من قول شيء يضرّ بمسيرتك وشخصيتك. ومن أهم المواضع التي نستفيد فيها من فن التجاهل عند تلقي إهانة أو تعليق غير لائق، فالصمت في هذه الحالة تعبير عن عدم النزول إلى مستوى الإساءة.
نعم.. التجاهل ليس عيبًا ولا انتقاصًا من شخصيتك، وليس وسيلة للهروب من المشكلات، وإنما هو فنّ يحميك من المجتمع السلبي اليوم، بما فيه من أشخاص، ومواقع تواصل اجتماعي، وقنوات أخبار. الجميع يبحث عن انتباهك، والجميع يرغب في متابعتك له ومنحه من وقتك. نعم عزيزي القارئ، فنّ التجاهل والصمت مهارة استراتيجية قد لا يتقنها الكثيرون في التعامل مع المواقف السلبية والصعبة، إذ تتلخص في اختيار اللحظة المناسبة للتركيز على الذات بدلًا من الانجرار خلف الاستفزازات، وهو ما يعكس قوة الشخصية لمن يتقنه.
وفي الختام. اخترْ وقت الرد ووقت الصمت، فالتجاهل الفعّال يتطلب حكمة؛ فهناك مواقف تحتاج منك أن تتجاهل تمامًا، وأخرى تحتاج منك أن ترد بحزم وهدوء. بهذه الحكمة تختار معاركك بعقلٍ واتزان في هذه الحياة.
