العين- أحمد الجهوري
تكشف مدينة العين الإماراتية تجربة سياحية متنوعة خلال زيارة اعلامية شملت عددا من المواقع الثقافية والريفية والصحراوية، عكست ما تتمتع به المدينة من مقومات طبيعية وتراثية متكاملة، وقدرتها على تقديم نموذج سياحي يقوم على التوازن بين المكان والانسان.
وتتميز العين بإيقاعها الهادئ وتنظيمها الواضح وتنوع وجهاتها، ما يجعلها واحدة من المدن التي ما زالت تحافظ على هويتها السياحية، وتقدم نفسها للزائر بصورة متزنة بعيدًا عن الايقاع السريع الذي يطغى على كثير من الوجهات الحديثة.
وتأتي هذه الزيارة في وقت تحظى فيه مدينة العين باهتمام سياحي متزايد، خاصة بعد اختيارها عاصمة للسياحة العربية لعام 2026، وهو اختيار يعكس ما تمتلكه المدينة من عناصر جذب تمتد من عمقها التاريخي الى طبيعتها المتنوعة وبيئتها الصحراوية، إلى جانب منشاتها الفندقية التي تشكل جزءا اساسيا من منظومة السياحة فيها. وخلال أيام الزيارة، أتاح التنقل بين هذه المواقع فرصة لفهم العين كمدينة تعتمد على تكامل تجربتها السياحية؛ حيث تتداخل المواقع ولا تقدم كوجهات منفصلة، بل ضمن سياق واحد يربط المكان بطبيعته وثقافته وذاكرته.

وكانت الإقامة في فندق "روتانا العين" نقطة الانطلاق اليومية للبرنامج؛ حيث شكل الفندق قاعدة مريحة ومنظمة للتنقل بين مختلف المواقع. واسهمت الاقامة في توفير إيقاع متوازن لأيام الزيارة، سواء من حيث الانطلاق الصباحي او العودة في المساء، بما يعكس دور المنشآت الفندقية في دعم السياحة الداخلية وتنظيم تجربة الزائر، وقد بدا الفندق خيارًا عمليًا للإقامة داخل المدينة، يلبي متطلبات الراحة والتنظيم دون أن يطغى على بقية التجربة.
ومن بين المحطات التي حملت طابعًا مختلفًا، جاءت زيارة كهف الملح في العين، الذي يعد من أكبر كهوف الملح المصنعة في دولة الإمارات، ويحتوي على أكثر من 16 طنًا من الملح الطبيعي. وقدمت هذه التجربة جانبًا صحيًا وعلاجيًا ضمن البرنامج، من خلال جلسات تعتمد على العلاج بالملح في بيئة هادئة ومغلقة، تعرف بقدرتها على المساعدة في التخفيف من أعراض ما يصل إلى 18 حالة صحية مختلفة. وأتاحت هذه المحطة للزائر الانتقال من إيقاع الأنشطة الخارجية إلى تجربة تُركِّز على الاسترخاء والعناية، ما أضاف بُعدًا مُختلفًا لتنوع التجربة السياحية في العين.
وفي السياق الريفي، شكَّلت زيارة مزرعة "فارم 13" إحدى المحطات اللافتة ضمن البرنامج؛ حيث أتاحت الجولة الاطلاع على مرافق المزرعة المختلفة، من بيوت الحيوانات واسطبلات الخيول إلى المساحات المفتوحة التي تعكس نمط الحياة الزراعية في المنطقة. وقدمت المزرعة نموذجًا بسيطًا ومباشرًا للسياحة الريفية، بعيدًا عن التكلُّف، ما جعل التجربة أقرب إلى معايشة يومية منها إلى زيارة عابرة. واختتمت هذه المحطة بتناول الغداء في مطعم "فارم 13"، الذي ينسجم في تصميمه وأجوائه مع طبيعة المكان، ويعزز مفهوم التجربة المتكاملة داخل الموقع نفسه.

ومع الانتقال إلى الأجواء الصحراوية، جاءت تجربة "مخيم أمار البيئي الصحراوي" الفاخر لتقدم صورة متوازنة للسياحة الصحراوية المنظمة، من خلال برنامج شمل سفاري الغروب بين الكثبان الرملية وتجربة التزلج على الرمال، قبل اختتام اليوم بعشاء في اجواء مفتوحة تحت السماء. وقد أتاحت هذه التجربة للزائر التفاعل مع الصحراء بهدوء، مع التركيز على سكون المكان واتساعه، في مشهد يعكس خصوصية البيئة الصحراوية في العين.
وفي الجانب الثقافي، شملت الزيارة مهرجان الحرف والصناعات التقليدية، الذي يسلط الضوء على الحرف الإماراتية من خلال عروض حية وورش عمل ومسابقات، تتيح للزائر التعرف على مهارات الحرفيين وأساليب الانتاج التقليدية التي ما زالت حاضرة في المجتمع المحلي. وقدم المهرجان صورة حية للموروث الشعبي، لا بوصفه عنصرًا تراثيًا فحسب؛ بل كجزء من الحياة اليومية والهوية الثقافية، ما عزز الربط بين السياحة والثقافة.
وتكامل هذا البُعد الثقافي بزيارة متحف العين، الذي يضم معروضات أثرية وتاريخية تمتد عبر مراحل زمنية متعددة، من عصور ما قبل التاريخ وصولا إلى الفترات اللاحقة، مقدمًا سردًا واضحًا لتطور المدينة ودورها الحضاري عبر العصور. وأسهمت هذه الزيارة في وضع التجربة السياحية ضمن سياقها التاريخي، ومنحت الزائر فهما أعمق لمدينة العين بوصفها واحدة من أقدم الحواضر في المنطقة.

كما شملت الزيارة التوقف عند "مطعم الفنار"، الذي يقدم المأكولات الإماراتية في أجواء شعبية منظمة، ويتيح للزائر التعرف على المطبخ المحلي بوصفه جزءًا من الثقافة اليومية، وقد شكلت هذه المحطة امتدادًا طبيعيًا للتجربة الثقافية؛ حيث اجتمع الطعام مع الذاكرة والتراث في سياق واحد.

واختتمت الزيارة بالإقامة في منتجع تلال العين، الذي يقدم تجربة إقامة صحراوية تجمع بين الخصوصية والطبيعة المفتوحة، ويتيح للزوار ممارسة مجموعة من الأنشطة الترفيهية داخل محيط المنتجع، من بينها ركوب الخيل، والرماية، وركوب الجمال، والتزلج على الرمال، إلى جانب فترات مخصصة للاسترخاء. وشكل مطعم "ديزرت غيت" (بوابة الصحراء) داخل المنتجع محطة لتناول الغداء، قبل اختتام البرنامج بعشاء وداعي في اجواء هادئة عكست طبيعة المكان الصحراوية.
ومع توالي أيام الزيارة، بدا واضحًا أن هذه المواقع، على اختلاف طبيعتها، تشكل في مجموعها تجربة سياحية واحدة مترابطة، تعكس قدرة مدينة العين على تقديم نموذج سياحي يقوم على التوازن بين الطبيعة والثقافة والخدمات، وهو ما يعزز مكانة العين كوجهة تراهن على العمق والاستدامة، وتقدم تجربة مختلفة للزائر، خاصةً مع استعدادها لدورها المرتقب عاصمة للسياحة العربية لعام 2026.

