د. سليمان بن عمير المحذوري
المُتتبع للأوضاع المعيشية الحالية في المجتمع يلحظ وبوضوح أنَّ هناك تحديًا حقيقيًا لا يُمكن تجاهله بأي حال من الأحوال؛ فالمؤشرات تتحدث عن مشكلات واقعية ينبغي مُعالجة جذورها بدلًا من الالتفات إلى النتائج.
ولم تُعد قضايا الباحثين عن عمل أو المسرحين من أعمالهم خافية على أحد. ورغم الاهتمام الحكومي والجهود المبذولة لحلحلة هذه الملفات؛ بيد أنّ النتائج ما زالت دون المستوى المأمول نتيجة للأعداد المتزايدة من هذه الفئات وبشكل سنوي.
ومع زيادة الضرائب أيًا كان نوعها، وتراجع الدعم عن الوقود والكهرباء والماء وغيرها، وثبات الرواتب على حالها لموظفي القطاع العام إلى جانب وجود نسبة ليست بالهينة من المتقاعدين، والأجور المتدنية في القطاع الخاص بسبب قرار الحد الأدنى للأجور، كل ذلك وكنتيجة طبيعية أدى إلى تراجع القوة الشرائية، وتآكل في الطبقة الوسطى؛ الأمر الذي انعكس في نهاية المطاف على حركة الأسواق، والدورة الاقتصادية بشكل عام.
وبنظرة فاحصة إلى أرقام عقود الزواج والمواليد ونسب الطلاق، إضافة إلى عدد قضايا المحاكم ذات الصلة بالمُعسرين ممن لا يستطيعون الإيفاء بالتزاماتهم المالية، وقوائم المسجلين لدى الفرق الخيرية أو لجان الزكاة، يُمكن الخروج بمجسات مهمة لا تخطئها العين عن أحوال الناس في هذا البلد العزيز.
وفي محاولة للخروج من الأزمات المالية لجأت بعض الأسر إلى بيع ما تيسر ويمكن مشاهدة تزايد أعدد الباعة على الطرقات في مختلف المحافظات. ومن جانب آخر لم يعد القطاع الخاص ملاذًا آمنًا للشباب الذين فقدوا ثقتهم فيه بسبب استمرار مسلسل التسريح، وغياب الأمان الوظيفي؛ بل إنّ هناك هجرة عكسية متى ما وجدت أي فرص وظيفية سانحة في القطاع الحكومي، رغم تعويل الحكومة على القطاع الخاص في امتصاص الإعداد المتزايدة من الباحثين عن عمل.
في المجمل.. لا بُد من الاعتراف بوجود مشكلة عميقة تتطلب تقييمًا حقيقيًا من كافة جوانبها وتداعيتها، وابتكار حلول جذرية؛ إذ لم تعد الحلول المؤقتة والمسكنات ذات جدوى لهذه المعضلة المتنامية. كما إنّ التسويف والتأجيل لا يخدمنا في هذه المرحلة، وما نحتاجه فعلًا هو إنعاش اقتصادي، ومراجعة جادة للمنظومة المعيشية للمواطن، وبالنتيجة إيجاد معالجة شاملة تلامس حياته اليومية.
