الحوكمة الثلاثية.. سر المؤسسات الناجحة في عصر التحول والتنافسية المتسارعة

 

 

 

د. علي بن حمدان البلوشي

تُعد الحوكمة الثلاثية إطارًا إداريًا حديثًا يقوم على دمج الحوكمة الاستراتيجية والحوكمة التشغيلية وحوكمة الأداء في منظومة واحدة تُعزز قدرة المؤسسات على التقييم المستمر واتخاذ القرار السليم. ويكتسب هذا المفهوم أهميته من كونه يوفر رؤية شمولية تسمح بربط الأهداف بعيدة المدى بالأداء الفعلي اليومي داخل المؤسسة، مع ضمان أعلى درجات الشفافية والمساءلة في مختلف المستويات؛ مما يجعل الحوكمة الثلاثية أداة فعّالة لقياس الأداء وتطويره وتحسين القدرة التنافسية للمؤسسات في ظل التغيرات السريعة في بيئات الأعمال.

لقد أثبتت العديد من الشركات العالمية نجاحها في تطبيق هذا النموذج، مثل شركة مايكروسوفت التي اعتمدت على التكامل بين البيانات والابتكار التشغيلي؛ مما مكنها من تعزيز خدماتها السحابية وتحقيق معدلات نمو متقدمة بفضل اعتمادها على نظم دقيقة لقياس الأداء وثقافة مؤسسية داعمة للشفافية. كما تُعد شركة تويوتا مثالًا بارزًا على تطبيق الحوكمة التشغيلية المرتكزة على التحسين المستمر عبر منهجية كايزن التي ساعدت على رفع الكفاءة وتقليل التكاليف، بينما استطاعت شركة نستله دمج الاستدامة والمسؤولية الاجتماعية ضمن إطار حَوْكمي موحّد أدى إلى تعزيز ثقة المستهلكين وتوسيع حضورها العالمي. وتظهر هذه التجارب أن نجاح الحوكمة الثلاثية يعتمد على وضوح الرؤية، وجودة البيانات، وتكامل الأنظمة الداخلية، إضافة إلى ثقافة تنظيمية تؤمن بالتحسين المستمر.

ورغم ما تقدمه الحوكمة الثلاثية من فوائد، إلّا أن المؤسسات قد تواجه تحديات متنوعة عند تطبيقها، مثل ضعف الثقافة المؤسسية المرتبطة بالشفافية، ومقاومة التغيير، وغياب البيانات الدقيقة، إلى جانب محدودية الأنظمة التقنية اللازمة لدعم هذا النموذج. ومع ذلك يمكن تحويل هذه التحديات إلى فرص للتطوير من خلال الاستثمار في التدريب، واعتماد نظم معلومات متقدمة، وتنفيذ التحول على مراحل تدريجية، وربط مؤشرات الأداء بالأهداف الاستراتيجية، وإشراك الموظفين في عمليات التحسين لضمان استدامة التغيير.

وتبقى القيادة العامل الأهم في ترسيخ الحوكمة الثلاثية؛ إذ يقع على عاتقها صياغة رؤية واضحة، وتهيئة بيئة تحفز على الشفافية والمساءلة، وتوفير الموارد اللازمة لتطوير الأنظمة ورفع كفاءة الكوادر. كما إن الموظفين يؤدون دورًا محوريًا في إنجاح هذا النموذج من خلال الالتزام بالإجراءات، وتقديم بيانات دقيقة، والمشاركة الفعَّالة في التحسين المستمر، والتعاون في بناء ثقافة أداء قائمة على المسؤولية.

ولذلك فإن النصيحة الأهم للمؤسسات الراغبة في تعزيز ثقافة الحوكمة هي أن تجعلها جزءًا أصيلًا من هويتها المؤسسية، لا مجرد إجراءات تنظيمية، وأن تعتمد على التواصل الفعّال، والرقمنة، وتمكين الموارد البشرية، وربط النجاح الفردي بالنجاح الجماعي؛ فالحوكمة الثلاثية ليست فقط وسيلة لتقييم الأداء؛ بل هي أساس للتطوير المؤسسي المستدام وقدرة المؤسسة على المنافسة والتكيف والابتكار في عالم مُتغيِّر.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة

z