محمد بن سالم البطاشي
تُعدّ شجرة الغاف البحري أو المسكيت (Prosopis Juliflora)، من الأنواع الدخيلة التي تم إدخالها إلى بعض الدول العربية ومنها سلطنة عُمان؛ حيث إنَّ موطنها الأصلي يتركز في أمريكا الشمالية والجنوبية وتحديدًا في صحاري جنوب غرب الولايات المتحدة وشمال المكسيك، وتزدهر في المناخات الجافة وشبه الجافة، وتعد إحدى أكثر الأشجار خطورة على البيئة والتنوع الحيوي والموارد الطبيعية؛ فعلى الرغم من أنها زُرعت في البداية لغايات الاستظلال وكأشجار على جوانب الطرق في السبعينيات من القرن المنصرم، إلّا أنها تحولت بمرور الوقت إلى مشكلة وخطر يهدد النظم البيئية المحلية، وأثارت قلقًا متزايدًا بين الأوساط البيئية والاجتماعية والاقتصادية، وتقدر أعدادها حسب ما نشرته وزارة الزراعة والثروة السمكية (سابقًا) عام 2016 بنحو 20 إلى 22 مليون شجرة غاف بحري.
ومن أبرز سلبيات شجرة المسكيت، قدرتها الكبيرة على الانتشار السريع والتكاثر العشوائي؛ حيث تمتد جذورها إلى أعماق كبيرة بحثًا عن المياه، مما يؤدي إلى استنزاف المياه الجوفية، وتلتهم الأشجار والشجيرات وتضعف من فرص بقاء النباتات الأصلية التي تتشارك معها نفس المورد، كما تفرز هذه الشجرة مواد كيميائية عبر جذورها وأوراقها تؤثر سلبًا على نمو النباتات المجاورة، فيما يُعرف بظاهرة "الأليلوباثي"، وهو ما يجعلها تتفوق على الغطاء النباتي المحلي وتقصيه بشكل تدريجي. ثم أن لهذه الأشجار خاصية النمو المستمر والتمدد اللا نهائي حيث تقدر نسبة الزيادة السنوية لأشجار الغاف البحري بنحو 5%، ومما يزيد الأمر تعقيدًا أن هذه الأشجار كثيفة البذور ذات صلابة عالية تستطيع مقاومة الزمن والجفاف وتظل في حالة كمون منتظرة رشة مطر أو واديا يروي ظمأها لتنمو كشجيرات جديدة، كما إن خفة بذورها يجعلها سهلة الانتقال من مكان إلى آخر؛ سواء عن طريق المياه خصوصًا عند جريان الأودية أو بواسطة فضلات الحيوانات، أو الرياح فتسافر متنقلة مسافات طويلة تضمن لها انتشارًا واسعًا؛ حيث وصلت إلى ضواحي المدن وأحيانًا إلى قلب أحيائها، ولا تزال تواصل انتشارها بشكل يمثل خطرا داهما على سلامة البشر والحجر.
وتُشكّل شجرة المسكيت تهديدًا بيئيًا وبُنيويًا بالغ الخطورة، خصوصًا عندما تنمو وتنتشر بكثافة في مجاري الأودية ومنافذ تصريف مياه الأمطار. ونظرًا لقدرتها العالية على مقاومة الجفاف وسرعة انتشارها، تتكاثر هذه الشجرة بشكل عشوائي في بطون الأودية والممرات المائية الطبيعية؛ مما يؤدي إلى انسداد المجاري المائية وتعطيل دورة التصريف الطبيعي للأمطار؛ حيث تنمو بكثافة في بطون الأودية والمجاري الجافة، ومع مرور الوقت تُكوّن كتلًا نباتية كثيفة تُعيق تدفّق مياه السيول والأمطار، مما يؤدي إلى تجمّع المياه وحدوث فيضانات في المناطق المجاورة، خاصة أثناء مواسم الأمطار الغزيرة. وهذا قد يتسبب في أضرار بالبنية الأساسية، كتهدم الطرق، وجرف الأراضي الزراعية، وانهيار الجسور الصغيرة. كما إنه في كثير من المناطق تتسبّب شجرة المسكيت في إغلاق قنوات تصريف السيول والعبّارات، نتيجة تراكم جذوعها وأوراقها وأغصانها؛ مما يمنع المياه من الوصول إلى خزانات السدود أو المناطق الزراعية. كما إن تغلغل جذورها في الجدران والقنوات الإسمنتية يؤدي إلى تآكلها وتشققها، وهو ما يتطلب تكاليف صيانة عالية ومستمرة.
وفي بعض المناطق، أصبحت المسكيت ملاذًا للحيوانات الضارة والزواحف؛ مما يزيد من الأخطار الصحية على السكان. كما أن غبار أزهارها قد يسبب حساسية للبعض؛ ما يُشكِّل عبئًا إضافيًا على الصحة العامة.
والمسكيت تمثِّل تهديدًا للمراعي الطبيعية؛ حيث تغزو المساحات المخصصة للرعي، مما يؤدي إلى تقليص المساحات الصالحة لتغذية الماشية، هذا التعدي يؤثر سلبًا على الثروة الحيوانية ويؤدي إلى ضعف الإنتاج الحيواني، وهو ما ينعكس مباشرة على المزارعين ومربي الماشية، خصوصًا في المناطق الريفية التي تعتمد على الرعي كمصدر رئيسي للدخل. كذلك تتؤثر على الحيوانات إذا تناولتها وتتسبب في هزالها أو سقوط أسنانها، أو نفوقها.
وعلى الرغم من استخدامها المحدود كمصدر حطب أو فحم، إلّا أن الأضرار الاقتصادية لشجرة المسكيت تفوق بكثير منافعها؛ فهي تزيد من تكلفة صيانة الأراضي الزراعية، وتحدّ من إنتاجية الأراضي القابلة للزراعة، وتزيد من تكاليف مكافحة الأعشاب الضارة في القطاعات الزراعية والمائية. كما تعرقل مشاريع البنية الأساسية من خلال تغلغل جذورها في القنوات وخطوط المياه والطرق.
ومواجهة هذا التحدي يتطلب إستراتيجية وطنية شاملة تشمل:
- المسح الميداني وتحديد مناطق الانتشار الكثيف.
- استخدام الأساليب البيولوجية والكيميائية والميكانيكية في مكافحتها.
- استمرار واستدامة عمليات المكافحة لفترة لا تقل عن ثلاث سنوات لضمان عدم عودتها للنمو مرة أخرى.
- توعية المجتمع المحلي بمخاطرها وطرق المساهمة في استئصالها.
- تشجيع البحث العلمي لإيجاد بدائل بيئية واقتصادية مستدامة.
- الاستعانة بالخبرات والتجارب العالمية مثل المنظمة العربية للتنمية الزراعية وخبرات بعض الدول التي تعاني نفس المشكلة.
وأخيرًا.. إنَّ شجرة المسكيت لم تعد مجرد نبات دخيل؛ بل خطر حقيقي على البيئة والسلامة العامة، ويجب إدراج إزالتها من مجاري الأودية كأولوية وطنية ضمن جهود حماية الموارد المائية ومواجهة آثار التغير المناخي. واستمرار انتشار هذه الشجرة دون تدخل حاسم يهدد الأمن البيئي والغذائي والمائي والحضري في المستقبل. وعلى الجهات الحكومية، والمجتمع المدني، والمؤسسات البحثية، التعاون من أجل وضع حد لهذا الغزو النباتي الخطير؛ فحماية البيئة ليست خيارًا؛ بل ضرورة وجودية لضمان استدامة الموارد وحياة الأجيال القادمة. ويقع على الجهات المختصة مسؤولية القيام بحملات منظمة لإزالة شجرة المسكيت من بطون الأودية ومجاري التصريف، وذلك لحماية الأرواح، وتأمين المناطق السكنية والزراعية من خطر الفيضانات المفاجئة، والحفاظ على فعالية مشاريع تصريف مياه الأمطار، وغير ذلك الكثير.
