د. ريم بنت محمد الحشار **
تسعى المؤسسات في بيئة الأعمال إلى تعزيز التنوع الذي يُعدّ ركيزة أساسية للابتكار والإبداع. ويُفهم التنوع بوصفه شمولًا ومساواةً لجميع الاختلافات في مهارات القوى العاملة. وعلى الرغم من ذلك، لا تزال العديد من المؤسسات تُغفل تضمين التنوع العصبي في سياسات التوظيف والشمول، على الرغم من دوره المهم في دعم نجاحها في بيئات العمل التنافسية.
وتُشير دراسة كلاودر وزملائه (2020) إلى أنَّ التنوع العصبي (neurodiversity) يمثل تباينًا طبيعيًا في كيفية تفكير البشر ومعالجة المعلومات والتفاعل مع العالم. ويضيف هذا التباين قوى فريدة تُمكّن الأفراد ذوي التنوع العصبي مثل المصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، أو التوحد، أو عُسر القراءة من الإبداع والابتكار، خصوصًا في مجالات التكنولوجيا والأعمال التحليلية، ومن بينها مجال تحليل البيانات الذي يشهد توسعًا متسارعًا ونقصًا في المهارات، وتتوافق متطلباته بدرجة كبيرة مع قدرات هذه الفئة.
ومن اللافت للنظر أنَّ شمول الأفراد ذوي التنوع العصبي يبقى محدودًا، ويعود ذلك غالبًا إلى استبعادهم من خلال اشتراط امتلاك مهارات نمطية مثل القدرة على بناء العلاقات أو الامتثال للممارسات القياسية. ويُبرز تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي (2022) أنّ هذه الممارسات قد تحجب قدرات معرفية قيّمة يتمتع بها الأفراد ذوو التنوع العصبي، مثل التفكير التحليلي والإبداعي. كما يشير التقرير إلى أنَّ المؤسسات بدأت تدرك فوائد دمج هذه الفئة والاستفادة من مواهبهم غير المستغلة بما يُعزز رفاهية الموظفين ويدعم بيئات الابتكار.
ويبرُز دور القادة في تشكيل ثقافة عمل شاملة يلتزم فيها كبار المسؤولين بدعم التنوع العصبي وخلق بيئة يشعر فيها جميع الموظفين بالأمان النفسي للتعبير عن أفكارهم. ويوضح تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي أنّ بناء هذه الثقافة يتطلب إعادة تصميم مُمارسات التوظيف لتكون قائمة على تقييم المهارات بدلًا من السمات السلوكية، بما يسمح بإبراز نقاط قوة الأفراد ذوي التنوع العصبي، بعيدًا عن تحيزات التوظيف التقليدية. كما يُشدد التقرير على أهمية توفير التسهيلات العملية؛ مثل مرونة ساعات العمل، واستخدام التقنيات المساندة، وتخصيص مساحات هادئة تُمكّن الموظفين ذوي التنوع العصبي من تحقيق إنتاجية أعلى. إضافة إلى ذلك، يُعد الاستثمار في التوعية والتدريب سواءً للقيادات أو المديرين أو الموظفين خطوة هامة لتبديد المفاهيم الخاطئة وتعزيز فهم أعمق لكيفية العمل بفعالية مع الزملاء ذوي التنوع العصبي، بما يُسهم في ترسيخ ثقافة داعمة للتنوع والمساواة ورفع الرفاه الوظيفي.
وبناءً على ما أسلفنا شرحه؛ فإنّ ضمان شمول الأفراد ذوي التنوع العصبي في الخطط الاستراتيجية الوظيفية للمؤسسات؛ يقدم موردًا بشريًا وطنيًا هائلًا، داعمًا للمواهب والإبداع والابتكار. ويُعزز من تحسن الحياة المهنية للأفراد ذوي التنوع العصبي، كما ويدعم تعزيز الأداء التنظيمي العام ويخلق بيئات عمل آمنة نفسيًا تضمن مستقبلًا اقتصاديًا واجتماعيًا أكثر شمولًا وابتكارًا وإنتاجية.
** مستشارة في رفاهية المؤسسات والأعمال
