عواصم - الوكالات
تواصل الولايات المتحدة منذ أسابيع جهودها في مجلس الأمن لإقرار مشروع قرار يقضي بإنشاء قوة دولية مؤقتة في قطاع غزة تحت اسم "قوة الاستقرار الدولية (ISF)"، في إطار خطة شاملة لإعادة تأمين القطاع وإدارته حتى نهاية عام 2027، مع إمكانية التمديد. وتستند المسودة إلى خطة ترامب المكونة من 20 بندا لوقف الحرب، لتتسلم القوة مهامها فور انسحاب جيش الاحتلال من القطاع.
وتصف واشنطن خطتها بأنها "حساسة ولكن غير سرية"، إذ تهدف –وفق مسؤول أميركي بارز تحدّث للقناة الإسرائيلية 12– إلى "إنفاذ الاستقرار، لا حفظ السلام"، وتهيئة الأرضية لقيام حكومة فلسطينية جديدة تحت إشراف دولي، في أول تصور أميركي مكتمل لـ"اليوم التالي" بعد عامين من العدوان الإسرائيلي على غزة.
وشهد مشروع القرار ثلاثة تعديلات خلال الأيام الماضية؛ وقالت مصادر سياسية إسرائيلية لصحيفة يديعوت أحرونوت إن المسودة الأميركية الجديدة تتضمن بنودا "غير مواتية" لإسرائيل، مثل الإشارة إلى مسار دولة فلسطينية، وتقييد حقها في الاعتراض على الدول المشاركة في القوة الدولية.
ويرى الكاتب والمحلل السياسي وسام عفيفة أن المسودة الأميركية تمثل "تحولا إستراتيجيا" في علاقة واشنطن بالملف الفلسطيني–الإسرائيلي، إذ تسعى لفرض تسوية أمنية متعددة الأطراف في غزة، مع تثبيت الدور الأميركي ودعم إسرائيل بشروط أمنية أقل صرامة من السابق.
في المقابل، اعتبر المختص بالشؤون الإسرائيلية فراس ياغي أن المشروع الأميركي يشكل "غطاءً للوصاية الأميركية" على غزة، فمرجعية القوة ومجلس السلام ستكون أميركية وليست خاضعة للبند السابع، مشيرا إلى أن مجلس الأمن يظهر شكليا فقط عبر تقارير نصف سنوية للاطلاع دون صلاحيات تنفيذية.
ويضيف ياغي أن واشنطن تعمل على إعادة هندسة المشهد في غزة عبر استبدال السيطرة الإسرائيلية المباشرة بـ"سيادة أمنية متعددة الأطراف" تشرف عليها الولايات المتحدة وتراقبها إسرائيل وفق معادلة "استقرار مقابل أمن".
وتربط المسودة بين انسحاب قوات الاحتلال وتحقيق "المعايير الأمنية المتفق عليها"، وعلى رأسها النزع الكامل للسلاح. ولا يحدد المشروع أي جدول زمني، بل يربط الانسحاب بتقدم قوة الاستقرار في مهامها، ما يمنح إسرائيل حق التحكم في وتيرة العملية.
ونقلت هآرتس عن مسؤول أمني إسرائيلي قوله: "لن ننسحب من غزة قبل التأكد من عدم وجود بندقية واحدة يمكن توجيهها نحو إسرائيل".
كما تشير المسودة إلى بقاء قوات إسرائيلية محدودة حول القطاع لمراقبة الحدود، على غرار نموذج الحزام الأمني الذي استخدمته إسرائيل في جنوب لبنان حتى عام 2000.
وتفيد تقارير إسرائيلية بوجود "غموض متزايد" داخل المؤسسة الأمنية بشأن تفاصيل الخطة، وأن قرارات إستراتيجية تُبحث بين واشنطن وتل أبيب من دون إشراك القيادات الأمنية، التي باتت تلتزم الصمت خشية استهدافها سياسيا.
وتنشئ المسودة ما يسمى "مجلس السلام" ليكون المرجعية السياسية المدنية في غزة، ويشرف على عمل القوة الدولية. غير أن النص يربط تقارير المجلس وتمويله مباشرة بالولايات المتحدة، مما يجعل المجلس –وفق مراقبين– أداة لشرعنة الدور الأميركي أكثر من كونه هيئة رقابية مستقلة.
وتمنح المسودة واشنطن موقع "الضامن الأول"، فيما تشارك الدول العربية –منها مصر والأردن والإمارات والمغرب والسعودية– بأدوار تنسيقية، بينما يظل دور تركيا موضع خلاف بسبب اعتراض إسرائيلي.
وبحسب بلومبيرغ، من المتوقع أن تضم قوة الاستقرار بين 12 و15 ألف عنصر من دول غربية وعربية مختارة، تحت قيادة أميركية موحدة.
وتمنح المسودة القوة الدولية تفويضا باستخدام "جميع الوسائل اللازمة" للتنفيذ، بما يشمل –وفق هآرتس– عمليات قتالية محدودة داخل غزة، مع ترك الباب مفتوحا لإسرائيل لاستئناف العمليات العسكرية "بالتنسيق مع الولايات المتحدة" في حال عودة التهديدات.
وتشير تقارير إسرائيلية إلى استعداد الجيش الإسرائيلي للتحرك لنزع سلاح حماس بالتوازي مع جهود واشنطن لتشكيل القوة الدولية، إذا فشلت الخطة الأميركية.
وفي خطوة أربكت الجهود الأميركية، وزّعت روسيا مشروع قرار خاصا بها على أعضاء مجلس الأمن بالتنسيق مع الصين. ويعارض المشروع الروسي معظم مرتكزات الخطة الأميركية، إذ لا يتطرق إلى نزع السلاح ولا ينص على قوة دولية بإشراف واشنطن، بل يحيل المهمة إلى الأمين العام للأمم المتحدة.
ويرفض المشروع الروسي أي تغيير ديمغرافي أو جغرافي في القطاع، ويؤكد حل الدولتين ووضع غزة والضفة تحت مسؤولية السلطة الفلسطينية حصراً، مع رفض إنشاء مناطق عازلة أو خطوط فصل كالخط الأصفر المقترح في الخطة الأميركية.
وتشير قناة 12 الإسرائيلية إلى أن موسكو منعت التصويت على المشروع الأميركي، مما يهدد بتأخير أو تعطيل "خطة ترامب لإنهاء الحرب".
ورغم المعارضة الروسية الصينية، حشدت واشنطن دعماً إقليمياً واسعاً، إذ أعلنت الولايات المتحدة مع قطر ومصر والإمارات والسعودية والأردن وتركيا وباكستان تأييدها للمشروع الأميركي، واصفة الخطة بأنها "تاريخية وشاملة لإنهاء الصراع".
وتحتاج واشنطن إلى تأييد 9 أعضاء لتمرير القرار، فيما تبدو الجزائر –العضو العربي في المجلس– عامل الحسم بعد ترددها في دعم المشروع.
ونقلت نيويورك تايمز عن دبلوماسيين غربيين وجود خلافات واسعة بين أعضاء المجلس، إذ ترغب الصين في إزالة الخطة الأميركية من القرار نهائيا، فيما تطالب روسيا والجزائر وفرنسا بتضمين نص واضح يدعم الدولة الفلسطينية ودور السلطة في إدارة غزة خلال المرحلة الانتقالية.
