حمد الناصري
اسْتدار أحمد ناحية نور أوغلو الشابّة ذات المفاتن الجذابة التي لطالما أثارت فيه كوامنًا وفحولة مكبوتة، قائلًا إنّ لمجتمعاتنا العربية أسبابًا كثيرة تسببت في كبت المرأة وعدم انفتاحها على الرجل كما لديكم هنا بتركيا وغيرها هنالك اسبابا يطول شرحها.
كانت نور أوغلو تنصت إليه بشغف وتُراقب حركته.. ثُم أردفت بإبتسامة جذّابَة.. أنا اعْتقد أنّ أسْبابها يعود إلى تلك النشأة المُغْلقة لديكم والمُتمَحْورة حول تقييد حُريّات النساء وتحديد رغباتهن وتصرفاتهن، أما نحن في تركيا خُلقنا لنعيش لا لنُقيّد ونُكَبّل بتقاليد جوفاء،
حركة المنافع لدينا مُسْتمرة والتواصل في ديْمومة والحياة تسير.! والسَعْي إلى الحُرية بكل سُبلها مُيسّرة، وعقليّاتنا مُنفتحة تصنع مَعيشها لا كما يُريدها الرجل الشرقي ويُقيّدها بأسباب التقاليد والعادات كما أنّ المُعتقد قد طُوّع وفق مآلات منافعنا ومصالح المعيش، فالرّجُل أيّما رجُل أكان شَرقيًا أو غربيًا، لا ينبغي أنْ يكونَ عُرضة شَحْن مُجتمعه بتَقْييدات حكائية وسَردية لا قيمة لها.. وإذا استمرّ المُجتمع الشرقي مُجْتَمعًا ذكوريًا، فإنه لا أمَل له في التَطوّر والنجاح ذلك لأنه سوف يتصادَم مع كُل انْفتاح بسبب تشدّده وانغلاقه الفكري وتعلقه بالعادات والموروث.. فالحرية الإنسانية بشتّى صُورها لا تتصادم مع الموروث. بيْد أنّ التَقْيِيد يقزّم المرأة ويحصر دورها في المنزل فقط.؛
بدا أحمد منزعجًا وهو يَسْتمع إلى حديثها.. وقد شَعرتْ بذلك.. لكنها اسْتمرّتْ غير عابئة به لكأنها تقصد اسْتفزازه، وأضافت قائلة إنّ مُجْتمعكم الشرقي يُنْشِد الفضيلة لِلنّساء ويُطالِبَها بالالْتزام بالتقاليد والعادات ويَسْمح للرجل بممارسة كُلّ شيء ويُشَجعه عليه ولو كانَت تلك المُمارسة خاطئة.؛ وسُؤالي، لماذا مُجتمعكم يَتشدّد مع نِسائكم.؟ ويوصم المرأة بالدونيّة والنّقص في مكَانتها وتفكيرها...؟ أليستْ تلك النَظْرة نظرة مُنحرفة عَوجاء شاذّة.؛ توقفتْ قليلاً، ثم قالت: هُنا في تركيا تَضْرب النِساء بكلّ القِيَم والعادات عرض الحائط والمرأة البالغة هنا لها كُلّ الحرية طالما لا تضُر بمصالح البلد الرئيسة وأمنهُ وكيانه.. نعم تلك هي الثقافة الصحيحة للارْتقاء إلى مصاف التحضّر، فالحياة حقّ للجميع، وعلى كُلّ من الرجل والمرأة ـ مُمارسة حياته بالطريقة التي تُعجبه وتُرضيه.. ثقافتنا عامرة بالمودّة بَين الناس، والسَواسية أمام القانون، والدسْتور هو ربّ الجميع.. إليه يَحتكم كل التركيبن دون تمييز..؛
أمّا في بُلدانكم فترى الرجُل يَلْتزم العِفّة وينضبط بالالْتزام ويصِف نساء بُلداننا المُتحضرة بالتخلّف والرجعية في القِيَم.. والحقيقة أقولها، التقيتُ بأناس كُثر مِن عَرب الخليج ومن الشرق العربي، فما وجدتّ فيهم غير الاهتمام بجسد المرأة لإشباع غرائزهم.. وتحسّ حين تتعامل مع أحدهم بأنّه مُضطرب عقلياً.! بل أن أكثر قضايا التحرّش والعُنف سُجلتْ باسْم الرَجُل الشرقي في كل بلدان العالم.!
قاطعتها مرام يلدريم مُؤكدة كلامها: أنا أيضًا التقيت برجال كثيرين وهم فعلا يَنتقدون المرأة المُتحررة حتى وإنْ كانت بين احضانهم.. وأنا أعتبر نظرتهم هذه للمرأة رجعية جاهلية حاقدة، لأنها تنطوي على الرغبة المُجرّدة ومن المُضحك أنهم يدّعون حماية النساء، من خلال حركاتهم الدينية. بَل وتجدهُم ـ احْياناً ـ دُعاة لِلتَحرّر وفِكْر الجمود ـ كما يقولون ـ ويُهاجمون ثقافة بُلدانهم الدينية ويَصفونها بالمُتشدّدة.!
والسُؤال هُنا ـ مُوجّه إليك أحمد ـ لماذا لعرب الجزيرة، وجْهان في التعايش، وجهٌ عَبوس مُتشدد في بلدانهم ووجْه بشوش مُنفتح في بُلدان الغرب، ولا نجد لهم إهْتمام غير الاسْتمتاع والسَهر بملاهي الغرب!! بينما لديهم ما يُمكنهم من فتح عشرات الملاهِي والبارات والكازينوهات في شرقهم دون أنْ يتكلّفوا عناء السَفر والتنقل.؛ والسؤال أعيده مرة أخرى، إلى متى سيسْتمرّ عرب الجزيرة يُناقضون مبادئهم، مرة في الخطيئة ومرة في العقيدة.؛
يتبع 4
