رفيا عبود **
لعله من الطبيعي عندما يتم توظيف السياسة وتستغل الإعلام، فإنها لا تمتلك فقط إحدى أهم مقومات وأركان تكوين الرأي العام، بل أيضًا تمتطي صهوة الإعلام لتشويه الحقيقة.
الإعلام وفي كل هذه الفضاءات الواسعة الانفتاح بات القوة الوحيدة في أيدي من يريدون لمواقفهم وآرائهم وسياستهم أن تسود، وأن تفرض سيطرتها، وأن تكسب المؤيدين حتى ولو كان عن طريق الانسياق وراء المجموع الذي بتراكمه سواء عن قصد أو دون قصد يشكّل الرافعة وعبر الإعلام للسياسة.
وبالتوازي مع ذلك لا تناقض بين الحرية والمسؤولية في عمل الصحفي على الرغم من كل الادعاءات من أن المسؤولية كثيرًا ما تحد من الحرية وممارستها، حيث لا يجوز للصحفي أن يتخذ من موقعه ومن فعاليته وقوة تأثيره التلاعب بالحقائق ولا حتى في تفاصيلها وجزئياتها.. لكن حين يورد تحليلًا أو تعليقًا أو رأيًا حول هذه الحقائق، فذلك من حقه أيضًا في إطار الحجم الطبيعي للحدث دون مبالغة.
وإن كان من مهمة إزاء ذلك فإنها تقع على الصحفيين أولًا بضرورة التزام الدقة والموضوعية والتأكيد على الحرص الشديد على ميثاق الشرف الصحفي وتقاليد المهنة، والإفادة من المفاهيم والتقنيات والثقافة الإعلامية لتطوير الأداء وتحسين سبله في الأسلوب والكتابة والآلية التطبيقية في الصحافة والإعلام.
واقع الحال يكشف علنًا تجاوز بعض الصحفيين مهمتهم أحياناً لدرجة أن بعضهم يخلط موقفه السياسي أو الأيديولوجي بعمله المهني وقد يتسبب هذا الخلط في إفشال مهمته خصوصًا عندما ينقسم الناس حول قضايا متعددة وتكون وسائل الإعلام مستقطَبة بشكل كبير سواء بسبب الملكية أو طبيعة الإشراف.
ولا شك أن خطر الخلط بين دور الصحفي وموقفه السياسي دفع بكثير من المنظمات والمؤسسات لتضمين هذا الجانب في مدونات السلوك أو حتى بقوانينها الداخلية.
هذه الظاهرة تتزايد في الدول التي تفتقر لآليات تنظيم ذاتي فعّالة أو لا تملك تشريعات واضحة، تمنع استغلال الصحافة في الدعاية السياسية.
ولذلك يبقى السؤال: هل يحق للصحفي أن يكون له رأي سياسي؟ هذا سؤال مشروع، والإجابة عنه يمكن اختصارها بالقول إن الصحفي في أي بلد هو مواطن، ويحق له ما يحق للآخرين.
معظم الدول التي قطعت أشواطًا في تنظيم المهنة، هناك رقابة شعبية فيها على وسائل الإعلام، عبر منظمات أو جمعيات أو مؤسسات تهتم بهذا الجانب، وربما توجد فيها تشريعات وقوانين تفرضها الدولة لمنع استخدام الإعلام من قبل الصحفيين، وتورطهم في الدعاية السياسية.
بالمقابل، هناك دول ما زال يجري فيها استخدام الإعلام لمصلحة دعاية السلطة، وينخرط الصحفيون في تلك الدعاية خلال أداء وظيفتهم
قد لا يكون واضحًا في ذهن البعض مستوى الخطر والضرر الذي يتسبب به الموقف السياسي المنحاز على مستوى ثقة الجمهور، أو مصداقية المؤسسة، وربما يتعامل ذلك البعض مع القضية باستسهال يدفعهم إلى القول إنهم يدافعون عن قضية بلدهم أو مجموعتهم المحلية، والحقيقة هي أنهم يعرضون سلامة بلدهم أو مجموعتهم المحلية لمخاطر تأتي عبر تراكم مثل هذه المواقف.
قد تكون أقل تلك المخاطر انصراف الجمهور عن متابعة وتصديق الوسيلة الإعلامية، لكن أكبرها يمكن أن يصل إلى حد تفتيت المجتمع، وضرب أسس العيش المشترك، وربما يصل الأمر إلى استدعاء موجة جديدة من العنف وتسلط السلطة.
** كاتبة سورية
