أمل بنت سيف الحميدية **
يُشير مصطلح التعليم المدمج إلى نمط تعلّم يجمع بين الحضور الوجاهي والتعلّم عبر التقنيات الرقمية، بحيث يستفيد الطالب من مُميزات التفاعل داخل الصف ومن مرونة التعلم عن بُعد في آنٍ معًا.
وقد برزت أهميته مع التحولات التي شهدتها الأنظمة التعليمية عالميًا إبّان الجائحة، ثم استقرّ كخيار إستراتيجي لتحسين جودة التعليم وتوسيع فرص الوصول وتقليص الفاقد التعليمي. وتؤكد تقارير المنظمات الدولية أنّ الدمج المدروس للتقنية ينبغي أن يخدم أهداف التعليم الكبرى في الإنصاف والجودة والكفاءة، لا أن يكون غاية بحد ذاته وذلك بحسب دراسة صدرت عام 2021 عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) تشكيل التعليم الرقمي وسياسات التحول في المدارس.
أما منظمة اليونسكو فقد أشارت في دراستها المعنونة "أطر وسياسات التعليم المدمج وبناء المنظومات" والتي نُشرت في عام 2021، إلى أن التعليم المدمج هو تصميم تعليمي يقوم على توزيع الخبرات بين أنشطة صفية مباشرة وأنشطة رقمية متزامنة أو غير متزامنة، مع إعادة هندسة المنهج وطرق التقويم بحيث تتكامل البيئتان دون تكرار أو فجوات. ومن مزاياه إتاحة التعلّم المتمركز حول الطالب، وتخصيص المسارات بحسب الاحتياجات، وتكثيف التغذية الراجعة، وتوفير بيانات دقيقة عن الأداء تساعد المعلّم على التدخل في الوقت المناسب. وتوضح أدلة اليونسكو وأطرها أن نجاح هذا النمط يتطلب بيئات تعلم مرنة، وسياسات للمحتوى المفتوح، وتخطيطًا للتطوير المهني للمعلمين وبناءً للقدرات المؤسسية. كما تقدم اليونسكو أطرًا عملية لتقييم جاهزية المؤسسات وتطوير منظومات للتعلّم المدمج، خصوصًا في التعليم العالي.
وفي السياق الدولي، يتضح أن أنظمة التعليم التي استثمرت في البنية الرقمية والتكوين المهني للمعلمين استطاعت تحويل الدروس المستفادة من الطوارئ إلى نماذج مستدامة. وإشارة إلى تقرير البنك الدولي "دروس التعلم عن بُعد ومبادئ لإعادة البناء" في 2022، فقد وثّق دروس التعلم عن بُعد خلال الجائحة وقدّم مبادئ لإعادة التخيّل نحو تعليم مدمج ذكي يوازن بين الوصول والجودة، بينما رصدت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية سياسات للتحول الرقمي في المدارس تركز على البنى التحتية والكفايات الرقمية والابتكار التربوي. يؤدي ذلك لمساعدة صانعي القرار إلى الانتقال من استجابة ظرفية إلى استراتيجيات بعيدة المدى.
وفي سلطنة عُمان، اتجهت وزارة التربية والتعليم إلى اعتماد التعليم المدمج في العام الدراسي 2020/2021، مع إطلاق منصات رقمية مساندة وربطها بالبوابة التعليمية وتهيئة المدارس وفق معايير السلامة الصحية، ثم مواصلة العمل بهذا النموذج بصورة مرنة بحسب المعطيات الوبائية. كما أعيد فتح المدارس مع تبنّي الدوام المدمج وتقنينه في بعض المراحل، وأُتِيح للصفوف الأولى نمط مدمج بينما عادت صفوف أخرى إلى التعلّم الحضوري الكامل، بما يعكس إدارة تدريجية للعودة. وإلى جانب ذلك، وفّرت الوزارة محتوى وتدريبًا للكوادر، بما في ذلك تفعيل الفصول الافتراضية وتوسيع استخدام أدوات إدارة التعلُّم.
وتتجلى فوائد التعليم المدمج لطلبة ومعلمي سلطنة عُمان في تحسين دافعية التعلّم عبر التخصيص وإتاحة التعلم الذاتي، وتوسيع الوصول للمتعلمين في المناطق البعيدة، وترشيد زمن الحصة الصفية لصالح أنشطة أعمق، وتكثيف التقييم التكويني المدعوم بالبيانات.
دوليًا، تُبرز منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ومنظمة اليونسكو أن توظيف التقنية في التعلم المدمج يمكن أن يرفع الفاعلية التعليمية عبر التكييف مع الفروق الفردية، ويدعم مهارات القرن الحادي والعشرين كالاستقلالية والتعاون الرقمي، شريطة وجود إطار سياسات يضمن الجودة والإنصاف. كما تقدّم تقارير البنك الدولي «مبادئ للغد» تستند إلى ما عمل وأثبت فعاليته، مثل المزج بين البث والإذاعة ومنصات التعلم والمواد المطبوعة لسد الفجوة الرقمية.
ومع ذلك، يواجه التعليم المدمج في سلطنة عُمان تحديات موضوعية؛ أبرزها تفاوت النفاذ إلى الإنترنت والأجهزة في بعض البيئات المنزلية، وعبء بناء محتوى رقمي تفاعلي متوافق مع المنهج، والحاجة إلى تدريب مستمر للمعلمين على التصميم التعليمي الرقمي وتنوع أساليب التقويم، إضافة إلى ضرورة مواءمة الجداول المدرسية واللوائح لتدعم المرونة دون الإخلال بالمعايير. وتبين تقارير دولية بحسب منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بأن معظم الإستراتيجيات الرقمية ركزت بدايةً على البنية والمهارات، بينما ما زالت قضايا الحوكمة والبيانات وأخلاقيات التقنية والتقييم الرقمي المتقدم بحاجة إلى تعميق. بالنسبة للسياق العُماني، وتشير تقارير الأداء الدولية مثل "بيرلز" إلى اعتماد نظم تناوب وحلول مدمجة خلال الجائحة في الصفوف العليا، ما يستدعي استمرار برامج التعافي ومعالجة الفاقد التعليمي عبر توظيف المزيج الأنسب من الأنشطة الصفية والرقمية.
وبناءً عليه، فإن التعليم المدمج لم يعد حلًا ظرفيًا؛ بل خيارًا استراتيجيًا لتجويد التعلّم وتوسيعه في سلطنة عُمان. توصي هذه المقالة بتثبيت إطار وطني للتعلّم المدمج يحدد النماذج التربوية وآليات الاعتماد والجودة؛ وتوسيع البنية التحتية الرقمية المدرسية والمنزلية مع برامج دعم للأسر؛ وتطوير محتوى رقمي تفاعلي مفتوح يراعي الخصوصية الثقافية واللغوية؛ وبناء مسارات تدريب مستدامة للمعلمين في التصميم التعليمي، والتقويم التكويني، واستخدام البيانات؛ وتعزيز شراكات مع الجامعات والقطاع الخاص لتطوير منصات آمنة قابلة للتوسّع؛ وأخيرًا، إجراء تقييمات دورية للأثر لضبط السياسات.
** باحثة تربوية
