التمكين الشخصي.. حين يكتشف الإنسان ضوءه الداخلي

 

 

 

حمد الصبحي

في رحلة الحياة، لا يُولد التمكين من الخارج؛ بل من الداخل؛ من تلك الشرارة الخفية التي تسكن كل إنسان وتنتظر لحظة الوعي لتشتعل. التمكين الشخصي ليس منحة تُعطى؛ بل هو حالة من الإدراك العميق لقيمة الذات وقدرتها على صناعة أثرٍ في هذا العالم.

أن تمكّن نفسك، يعني أن تُصغي جيدًا إلى صوتك الداخلي، أن تؤمن بأنك لست تفصيلة هامشية في لوحة الحياة؛ بل ركن أصيل من أركانها. يعني أن تنزع عنك ثوب التردد، وأن تمضي في طريقك بثقةٍ وثبات، لأنك ببساطة تسير نحو ضوئك، لا نحو ضوء الآخرين.

وفي هذا السياق، جاءت مبادرة وزارة العمل في تنظيم ملتقى عُمان الأول للتمكين الشخصي بجامعة السلطان قابوس لتجسّد هذا المعنى في أبهى صوره، مؤكدةً أن بناء الإنسان العُماني الواعي هو جوهر التنمية ومحركها الأول. فالملتقى لم يكن مجرد حدثٍ احتفالي؛ بل مساحة حوار وتفاعل، أعادت صياغة العلاقة بين الطموح والقدرة، وبين الحلم والإرادة، ليُصبح التمكين ممارسةً واقعيةً تسكن تفاصيل الحياة اليومية.

لقد جمع الملتقى نخبة من القيادات الحكومية والخبراء والمبدعين الذين أكدوا أنَّ التمكين لا يتحقق بالأوامر؛ بل بالثقة؛ ولا ينمو بالخطابات؛ بل بالفرص الحقيقية التي تُمنح للإنسان كي يكون فاعلًا في مسار وطنه. فحين تُفتح أبواب الحوار، وتُمنح المساحات للتعبير والمشاركة، تزدهر الطاقات الكامنة وتتحول إلى إنجازاتٍ ملموسةٍ تُعزز مسيرة التطوير والإجادة المؤسسية.

التمكين الشخصي في جوهره ليس تدريبًا على المهارة فقط؛ بل هو تدريب على الثقة، على أن تكون قادرًا على الاختيار، مؤمنًا بأنَّ المحاولة شكل من أشكال النجاح، وأن الخطأ خطوة نحو التعلم والنُّضج. هو تربية على الحرية، ونضوج في فهم الذات، وصعود هادئ نحو قمة لا تشبه إلاك.

إنَّ تجربة ملتقى عُمان الأول للتمكين الشخصي تمثل بداية مسار وطني يؤمن بأن الإنسان المُمكَّن هو الثروة الكبرى، وأن استثمار الدولة في قدراته هو الطريق الأمثل لتحقيق رؤية "عُمان 2040"؛ فالتمكين ليس غاية تُبلَغ في يوم؛ بل رحلة مستمرة من الوعي والتجدد، تبدأ حين ينظر الإنسان في مرآته، لا ليرى ملامحه؛ بل ليبصر نفسه الحقيقية.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة