أحمد السلماني
يشهد الوسط الرياضي لدينا حراكًا نوعيًا يعيد الاعتبار إلى الجذور الأولى للرياضة، حيث تتجه البوصلة نحو القاعدة والمواهب الرياضية الناشئة؛ فقد جاء الاتفاق بين وزارة الثقافة والرياضة والشباب ووزارة التربية والتعليم ليضع الأساس لتكامل مؤسسي طال انتظاره؛ إذ أُوكلت مهمة التنشئة الرياضية إلى الاتحاد الرياضي المدرسي باعتباره الجهة الأقدر على اكتشاف الموهبة منذ مقاعد الدراسة، وبما يضمن إنهاء ازدواجية العمل التي كانت قائمة في السابق بين مراكز إعداد الناشئين والاتحادات المختلفة.
وإذا كانت الرياضة تبدأ من المدرسة، فإن كرة القدم- الرياضة الأكثر شعبية وممارسة- تبدأ من الحارة؛ حيث يمتلك المجتمع العُماني تجربة أهلية فريدة على مستوى المنطقة، تتمثل في الفرق الأهلية المنتشرة في كل ولاية وقرية، والتي تشكّل كنزًا وطنيًا لم يُستغل بعد بالشكل الأمثل. فهذه الفرق تمتلك قاعدة بشرية ضخمة، وحاضنة مجتمعية فريدة وبنية رياضية اساسية لا بأس بها وبيئة تنافسية حقيقية، لكنها بحاجة إلى تأطير وتنظيم يمنحها القدرة على التحول إلى مصانع مواهب حقيقية تتكامل مع الأندية والمدارس الرياضية.
أما ما يُعرف اليوم بالأكاديميات الكروية المنتشرة في المدن والمحافظات، فهي في كثير من الأحيان لا ترقى إلى مفهوم “الأكاديمية” من حيث بيئة العمل أو المعايير الفنية والتربوية، لكنها تظل نواة قابلة للإصلاح. ولذا فإن المطلوب ليس إلغاؤها؛ بل تقنينها عبر وضع نظام تصنيف ومعايير أداء فنية وإدارية واضحة، تُمنح على أساسها درجات وفئات تتيح لولي الأمر معرفة البيئة الأنسب لاستثمار موهبة ابنه بإشراف مدربين وفنيين على اعلى مستوى من التأهيل.
وقد بدأ اتحاد الكرة العُماني خطوات أولية في هذا الاتجاه من خلال التعاون مع مؤسسة “OFAL” التي نظمت بطولات ناجحة كشفت عن طاقات واعدة ولاعبين واعدين ومدربين شباب، ما يؤكد أن الطريق نحو الإصلاح ممكن متى ما وُجد المشروع الوطني الجامع.
إن التجربة المغربية في بناء منظومة كروية متكاملة تمثل نموذجًا يُحتذى؛ إذ قامت على رؤية وطنية موحدة تجمع الدولة والجامعة الملكية المغربية والأندية والأكاديميات ضمن مشروع واحد أنتج حضورًا قارّيًا وعالميًا مشرفًا.
وفي الحالة العُمانية، نحن بحاجة إلى مشروع وطني مشابه يحمل عنوان “كرة القدم العُمانية نحو العالمية”، مشروع يربط المدرسة والحارة، والفريق الأهلي بالنادي، والنادي بالمنتخب، في منظومة متكاملة قادرة على تحويل الموهبة الفطرية إلى إنجاز عالمي يُكتب باسم عُمان.
