سعيد بن بخيت غفرم
يشهد قطاع الثروة الحيوانية في محافظة ظفار حراكًا اقتصاديًا واعدًا مع نشاط شركة المروج للألبان، التي بدأت منذ عدة أعوام في استقبال حليب الإبل والأبقار من المربين المحليين. خطوة تحمل في جوهرها رؤية طموحة لتعزيز الأمن الغذائي ودعم عجلة الإنتاج الوطني، وتفتح أمام المربين نافذة أمل لتسويق منتجاتهم وتحسين دخلهم بعد سنوات من الاعتماد على أسواق محدودة وتقلبات الأسعار.
ويأتي هذا المشروع في وقت تسعى فيه السلطنة إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي وتعزيز القيمة المضافة للمنتجات المحلية، خاصة مع ما تمتلكه ظفار من مقومات طبيعية وبشرية تؤهلها لتكون مركزًا رئيسيًا لإنتاج الألبان ومشتقاتها. فالثروة الحيوانية في المحافظة تمثل رصيدًا اقتصاديًا مهمًا يمكن استثماره في دعم الاقتصاد الوطني وتوفير فرص عمل للشباب.
إلا أن هذا الطموح يواجه تحديات واقعية، أبرزها تأخر صرف المستحقات المالية للمُربِّين، وما يرافقه من لجوء بعضهم إلى المقايضة بالأعلاف نتيجة هذا التأخر، رغم ارتفاع تكاليف الإنتاج والنقل. كما أن التوسع المخطط له في إنشاء مراكز جديدة خارج ولاية صلالة قبل معالجة هذه الإشكالات، قد يضيف عبئًا إضافيًا على كاهل المربين ويؤثر على ثقتهم بالمشروع الذي علّقوا عليه الكثير من الآمال.
ولعل أولى خطوات الحل تكمن في ضمان انتظام صرف المستحقات المالية ووقف المقايضة تمامًا، مع إعادة النظر في تسعيرة لتر الحليب لتكون عادلة وتغطي النفقات الفعلية، بما يشجع المربين على الاستمرار والمشاركة الفاعلة. كما أن توفير وسائل نقل مخصصة لجمع الحليب من منازل المربين وقياس الكميات ميدانيًا، يسهم في الحفاظ على الجودة وتقليل المشقة، إذ أن التحدي هنا لا يكمن في الإنتاج فقط، بل في بناء منظومة متكاملة تضمن الاستدامة والثقة المتبادلة.
ولا يقل جانب التدريب والتأهيل والتوعية أهمية عن الجوانب المالية والإدارية، إذ يُعد الاستثمار في العنصر البشري مفتاح نجاح أي مشروع. فرفع كفاءة المربين، وزيادة نسب التعمين، وتحسين بيئة العمل والرواتب، كلها خطوات تصنع الفارق بين مشروعٍ مؤقت وآخر مستدام يخدم المجتمع والاقتصاد معًا.
ويأتي نجاح هذا المشروع متسقًا مع توجهات رؤية "عُمان 2040" في تحقيق الأمن الغذائي وتنمية القطاعات الحيوية، بما يرسخ مفهوم التنمية المتوازنة التي تمس حياة الناس بشكل مباشر.
ختامًا.. تظل شركة المروج للألبان في ظفار تجربة جديرة بالدعم والمتابعة؛ فهي ليست مجرد مشروع تجاري؛ بل مبادرة وطنية تمس حياة الناس في عمقها اليومي. ونجاحها لن يُقاس فقط بحجم الإنتاج أو الأرباح؛ بل بمدى قدرتها على تحويل التحديات إلى فرص، وتعزيز ثقة المربين، وصناعة نموذج وطني يُحتذى به في تنمية الثروة الحيوانية وتحقيق الاكتفاء الذاتي في سلطنة عُمان.
