عندما تصبح الأسطورة والخرافة عنصر جذب سياحي

 

د. خالد بن عبدالوهاب البلوشي

لعقود وسنوات طويلة كانت الخرافات والأساطير جزءًا لا يتجزأ من ذاكرة الشعوب التي تُروى في المجالس والمناسبات المختلفة؛ فلكل أمة مخزون روحي وثقافي يتعدى أحيانًا حدود العقل والمنطق، إلّا أنها في الوقت ذاته تشكل إرثًا وكنزًا سياحيًا بالإمكان استثماره بذكاء، خاصة وأن العديد من السياح في هذه الأيام يبحثون عن التجارب المتنوعة والفريدة والتي تحتوي على قصص غامضة تلامس الخيال.

في الكثير من الدول تشكَّلت وتحوَّلت الأساطير إلى علامات سياحية رائجة؛ فمثلًا في رومانيا يتحدثون عن "دراكولا" مصاص الدماء أو مدينة أطلانتس الغارقة في المحيط الأطلنطي، وفي إسكتلندا وحش بحيرة لوخ نيس، وأحدب كنيسة نوتردام في باريس بفرنسا، والعديد من تلك القصص التي تحوَّلت من حكايات شعبية وخرافية، إلى نقاط جذب يقصدها السياح والزوار من كل أنحاء العالم؛ حيث قامت تلك الدول بإعداد بنى تحتية من المتاحف والعروض التي تتفاعل مع المشاهدين والزوار، وكذلك جولات سياحية في هذه المعالم إضافة إلى محلات لبيع التذكارات التي يشتريها هؤلاء الزوار والسياح.

ويعد الترويج من خلال الأساطير والقصص الخرافية تجربةً سياحيةً كاملة تشمل العديد من العناصر؛ منها: القصة والزي والفن والطعام وكذلك التذكارات، فلم يقتصر الأمر على الموقع الجغرافي فقط؛ بل شمل تلك العناصر. وتعمل جهات للترويج لتلك الدول من خلال بناء قصص مُشوِّقة حول تلك المواقع وربطها بالأساطير المحلية. وعلى سبيل الطرافة يتم خلق قصص عن كهوف يسكنها الجن أو جبل به قصة ذات أبعاد تاريخية حربية، وبعض المعجزات المختلقة، ثم عرضها بأسلوب شيق للزائر والسائح.

ولدينا في سلطنة عُمان العديد من تلك المواقع التي لها قصص مُشوِّقة وغامضة وأسطورية؛ سواءً كانت مرتبطة بقصة طريفة أو موقع منعزل أو بعض الطرائف التي تتحدث عن السحر والجن والتي لها مُريدوها وزوارها.

وحتى نتمكن من تحقيق هذا الأمر، يتوجب إعداد بعض الأساسيات، ومنها: أن تتولى إحدى الجهات- وعلى سبيل المثال- وزارة التراث والسياحة ووزارة الثقافة والرياضة والشباب، جمع وتوثيق هذه القصص والأساطير المحلية والشعبية التي تتصل ببعض المواقع ثم توثقيها بطريقة مناسبة واحترافية. ثم يأتي عنصر الاستثمار في البنية التحتية لتلك المواقع، من خلال بناء مرافق خدمية مناسبة لها، ولوحات إرشادية ومسارات وطرق سياحية في تلك المواقع.

ثم يأتي دور التقنيات الحديثة مثل الواقع الافتراضي والواقع المُعزَّز لإعادة تجسيد تلك الأساطير وتمثيلها بطريقة تشد حواس السائح والزائر داخل تلك المواقع، ونقترح تنظيم بعض الفعاليات الموسمية مثل المهرجانات المستوحاة من تلك القصص والأساطير لجذب السياح والزوار.

وهناك عنصر مُهم وهو إعداد المُرشدين السياحين الذين سوف يتولون رواية القصص والأساطير بطريقة محترفة وأسلوب سرد جذاب يشد حواس السائح والزائر. وسلطنة عُمان- كما سبق وذكرنا- لديها موروثات ثقافية وسياحية وتاريخية تحتوي على العديد من القصص المرتبطة بالوديان والجبال والقرى القديمة والكهوف، ويمكن توظيفها ضمن إطار سياحي يبرز الهوية الثقافية وأيضا يدعم الاقتصاد والمجتمعات المحلية.

الأسطورة أو الخرافة ليست قصة أو حكاية فقط؛ بل إنها فرصة جميلة للتنمية السياحية، وإذا استطعنا توظيفها في قطاع السياحة فلن تكون فقط ترويجًا وتسويقًا لموقع سياحي؛ بل إحياء لبعض الأساطير والقصص بأسلوب شيق وحديث مع تقديم تجربة لن ينساها الزائر أو السائح، تمزج بين الواقع والخيال والماضي والحاضر.

الأكثر قراءة