◄ المحروقي: "ملخص المجتمع" ترجمة للنهج السامي بأهمية الشفافية والنزاهة والمساءلة والمحاسبة
◄ بيانات ومؤشرات "جهاز الرقابة" تعزز ثقة المجتمع تجاه جهود حماية المال العام
◄ كشف جوانب القصور الإداري يسرع الخطى نحو تبني مبادئ الحوكمة والشفافية
◄ "جهاز الرقابة" يتبنى معايير ومنهجيات دولية في تنفيذ الأعمال الرقابية
◄ استخدام الذكاء الاصطناعي في تحليل المخاطر حقق مستوى أعلى من الكفاءة الرقابية
◄ متابعة تنفيذ التوصيات الرقابية ليست إجراءً شكليًا وإنما مهمة جوهرية
◄ وحدة تنظيمية متخصصة معنية بمتابعة تنفيذ التوصيات الرقابية
◄ تفاعل إيجابي من معظم الجهات المشمولة بالرقابة لتنفيذ التوصيات
◄ الفهدي: الأمانة والإخلاص والإجادة من بين صفات عدة يجب أن يتحلى بها كل موظف
◄ الكندية: الشفافية تقوم على خطاب إعلامي يستند إلى البيانات والسرد الواقعي
◄ توحيد الرسائل الإعلامية بين الجهات الرقابية أصبح ضرورة لتعزيز الثقة المجتمعية
◄ ضرورة تعزيز كفاءة الصحفيين للتعامل مع صحافة البيانات بدقة ومهنية
◄ الجهوري: المسؤولية القانونية عن التجاوزات تقع على الموظف المسؤول مباشرة
◄ تشريعات حماية المال العام وافية ومتوازنة.. والتجاوزات مردها "ضعف تطبيق القانون"
الرؤية- ريم الحامدية
أكد عدد من المختصين في الشؤون الاقتصادية والإدارية أن "ملخّص المجتمع" الصادر عن جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة لعام 2024، يعكس مستوى متقدّمًا من الشفافية في الإفصاح عن أداء الأجهزة الحكومية، ويُجسِّد التوجّه الوطني نحو ترسيخ مبادئ النزاهة والمساءلة في إدارة المال العام.
وأشاروا- في استطلاع لـ"الرؤية"- إلى أن ما كشفه الملخص من مؤشرات حول استرداد الأموال العامة، وتنامي البلاغات المجتمعية، واتساع نطاق الرقابة، يعكس تحسّن كفاءة الإنفاق العام، لكنه في الوقت ذاته يكشف عن تحديات سلوكية وهيكلية تستدعي مزيدًا من الإصلاح المؤسسي وتعزيز الوعي المجتمعي بالمسؤولية الوطنية.
وقال الدكتور حمير بن ناصر المحروقي المتحدث الرسمي باسم جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة، إنَّ ملخص المجتمع يأتي إيمانًا بالنهج السامي لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- بأهمية الشفافية والنزاهة والمساءلة والمحاسبة، كما يُعد أحد أبرز الأدوات التي تعكس الجهود المستمرة للجهاز في حماية المال العام ورفع كفاءة استخدامه، وتعزيز مبادئ الشفافية والتكامل المؤسسي والشراكة المجتمعية.
مؤشرات مُهمة
وأوضح المحروقي أنَّ الملخص كشف بأبرز أعمال الجهاز الواردة في التقرير السنوي للعام 2024 عن عدد من المؤشرات المهمة التي حرص الجهاز على إتاحتها للمجتمع، ومن بينها القيمة المضافة والآثار الإيجابية الناتجة عن عمل الجهاز؛ حيث أشار الملخص إلى استرداد وتحصيل 25 مليون ريال عُماني في العام 2024، إضافة إلى 33 مليون ريال عُماني تم تحصيلها واستردادها بعد صدور التقرير السنوي لعام 2023. وأضاف المُتحدث الرسمي باسم جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة أنَّ الملخص أشار كذلك إلى مراجعة 63 مشروع قانون وقرارًا ولائحة، إلى جانب ما نتجت عنه المهام الرقابية من توصيات بشأن تصحيح الإجراءات ومراجعة العقود وغيرها من الجوانب التي تُعزز من كفاءة الأداء المؤسسي وإدارة الموارد. وأشار المحروقي إلى أنَّ من بين المؤشرات التي خلص إليها الملخص الإحصائيات المتعلقة بالشكاوى والبلاغات التي تلقاها الجهاز خلال العام 2024 حول حالات الإهمال والتقصير ومخالفة القوانين والتعدي على المال العام، حيث بلغت 1378 شكوى وبلاغًا، كما تناول الملخص الملاحظات التي كشفتها المهام الرقابية على الوحدات الحكومية والهيئات والاستثمارات والشركات، إلى جانب جهود الجهاز في مجالات التوعية وفي متابعة تنفيذ الخطة الوطنية لتعزيز النزاهة (2022- 2030).

وأكد المتحدث الرسمي باسم جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة أنَّ هذه البيانات والمؤشرات من شأنها أن تُعزز مستوى الثقة لدى المجتمع حيال الحرص الذي توليه سلطنة عُمان على حماية المال العام وتحقيق الكفاءة في إدارة الموارد الوطنية، من خلال بيان مجالات القصور في أداء بعض الجهات ودرجة الالتزام بالتشريعات المالية والإدارية وممارسات الحوكمة المؤسسية؛ الأمر الذي يسهم في رفع وعي المجتمع بدور الجهاز الرقابي وتعزيز ثقافة المساءلة وتحفيز الجهات على تحسين الأداء وضمان الاستخدام الأمثل للموارد.
وحول الخطوات التي اتخذها الجهاز لضمان الشفافية والمساءلة في التعامل مع التجاوزات المالية والإدارية، قال المحروقي إنَّ المُشرِّع أوكل إلى جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة مهمة الرقابة المالية والإدارية على الأموال المملوكة للدولة أو الخاضعة لإدارتها أو الإشراف عليها، وفي سبيل القيام بذلك يقوم الجهاز بالعديد من الأنشطة التي تهدف إلى حماية الأموال العامة والخاصة التي تشرف عليها الجهات المشمولة برقابة الجهاز، ويستخدم الصلاحيات والأدوات الممنوحة له لتفعيل المساءلة بما يحقق الأهداف التي أوكلت إليه.
وبيّن المتحدث الرسمي باسم جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة أنَّ الجهاز اتخذ عددًا من الخطوات لضمان الشفافية وترسيخ الممارسات ذات الصلة بها، ومن أبرزها تعزيز الإفصاح من خلال نشر مُلخص المجتمع بلغة مُبسَّطة تُسهِّل فهم النتائج الرقابية، إلى جانب التواصل المستمر مع المجتمع عبر المنصات الإعلامية والموقع الإلكتروني والمشاركة في المعارض والفعاليات وتنظيم الندوات والمحاضرات، مؤكدًا أنَّ هذا الملخص يُعد النافذة الأبرز التي يتعرف من خلالها المجتمع على جهود الجهاز في حماية المال العام وبيان الملاحظات على الجهات المشمولة بالرقابة في ضوء تنفيذ خطة الفحص السنوية.
وحول أبرز التداعيات التي يمكن أن تحدث نتيجة ما كشفه التقرير، أوضح المحروقي أنَّ أبرز التداعيات المباشرة لما كشفه ملخص المجتمع تتمثل في تعزيز الثقة المجتمعية بمؤسسات الدولة من خلال إظهار مدى الحرص الذي توليه الحكومة بشكل عام والجهاز بشكل خاص في متابعة التجاوزات وتحديد المسؤولية بشأنها، ذلك أنَّ المواطن عندما يلاحظ أن هناك جهازًا مستقلًا يرصد ويكشف ويتخذ الإجراءات، فإن ذلك يعزز الإحساس بالعدالة ويقوي العلاقة بين المجتمع والدولة. وأضاف المحروقي أنَّ نشر الملخص يسهم في رفع الوعي العام بأهمية الشراكة في حماية المال العام ويؤثر مباشرة في الممارسات الإدارية والمالية التي تعزز من كفاءة إدارة الموارد، بينما تتمثل التداعيات غير المباشرة في تحفيز الجهات الحكومية لتطوير وتمكين أنظمة الرقابة الداخلية وتحسين كفاءتها التشغيلية، وتطوير عمليات التخطيط والتنفيذ والمتابعة تحسبًا لأي رقابة لاحقة.
وأشار المتحدث الرسمي باسم جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة إلى أنَّ إظهار التحديات والجوانب التي تتطلب التطوير في بعض القطاعات، من شأنه أن يدفع إلى تسريع أنشطة تبني مبادئ الحوكمة والشفافية في كافة الجوانب، مُضيفًا أنَّ الملخص يُسهم كذلك في تعزيز ثقافة المساءلة داخل المجتمع؛ مما يرفع من سقف التوقعات لدى الأفراد بشأن الأداء المؤسسي ويزيد من مشاركتهم الفاعلة في الرقابة المجتمعية، وهو ما يُعد خطوة مهمة نحو تحقيق التنمية المُستدامة وحماية مقدّرات الوطن.
استرداد الأموال العامة
وفيما يتعلق بتقييم فعالية الإجراءات الحالية في وقف التجاوزات واسترداد الأموال العامة، أكد المحروقي أنَّ الجهاز يتبنى المعايير والمنهجيات الدولية الصادرة عن المنظمة الدولية للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة "الإنتوساي" في شأن تنفيذ وقياس أثر الأعمال الرقابية، إلى جانب التعاون مع المنظمات والأجهزة النظيرة.
وبيّن المحروقي أنَّ الجهاز يستند إلى قانون الرقابة المالية والإدارية للدولة رقم 111/2011 وقانون حماية المال العام وتجنب تضارب المصالح رقم 112/2011، لتحقيق أعلى مستوى من الحماية للمال العام والكشف عن المخالفات المالية والإدارية والتحقق من تنفيذ القوانين واللوائح والنظم، مؤكدًا أنَّ أبرز الجوانب التي شهدت التطوير تتمثل في بناء الكفاءات الوطنية من منتسبي الجهاز والعاملين في الجهات المشمولة بالرقابة، إلى جانب تعزيز التكامل المؤسسي والشراكة المجتمعية وتطوير أدلة العمل الرقابي.
وأضاف المحروقي أنَّ منظومة التدقيق المبنية على تحليل المخاطر وتوسيع نطاق استخدام الأنظمة الإلكترونية وتطبيقات الذكاء الاصطناعي وتحليل وإدارة البيانات أسهمت في تحقيق مستوى أعلى من الكفاءة في الأعمال الرقابية، مشيرًا إلى أنَّ هناك نتائج إيجابية ملموسة فيما يخص استرداد الأموال العامة؛ سواء عبر التسويات الإدارية أو الإحالة للادعاء العام، وهو ما يعكس فاعلية المسارات القانونية المعتمدة. وأكد أنَّ الجهاز يسعى إلى ضمان عدم تكرار المخالفات من خلال التوصيات التي يرفعها للجهات المعنية والمتابعة الدقيقة لتنفيذها.
وشدد المتحدث الرسمي باسم جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة على أنَّ الرسالة الأساسية التي يود الجهاز إيصالها للمجتمع بعد صدور التقرير السنوي لعام 2024 تتمثل في التأكيد على أن حماية المال العام مسؤولية مشتركة تتطلب وعيًا مجتمعيًا وتعاونًا مؤسسيًا؛ فالجهاز لا يعمل بمعزل عن بقية مؤسسات الدولة، بل يعتمد في نجاح مهامه على شراكة حقيقية مع المواطنين والجهات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني.
وقال إنَّ الجهاز- من خلال الملخص الموجه للمجتمع- يُسلِّط الضوء على أبرز الملاحظات والتجاوزات التي رُصِدت بهدف تعزيز الشفافية وتحفيز ثقافة الرقابة الذاتية ودعم قيم النزاهة والمساءلة، كما يُشجِّع المواطنين على الإبلاغ عن أي تجاوزات أو مظاهر هدر مالي أو إداري عبر القنوات الرسمية المتاحة وبما يكفله القانون من سرية وحماية للمبلغين. وأكد أنَّه يتعين على المؤسسات تبنّي ممارسات الحوكمة الرشيدة وتفعيل وحدات التدقيق الداخلي والالتزام بتنفيذ التوصيات الصادرة عن الجهاز والعمل على ترسيخ ثقافة الامتثال والشفافية داخل بيئة العمل، مشددًا على أن بناء منظومة رقابة فعّالة يبدأ من وعي المجتمع بدوره وثقته بأن كل مساهمة تُحدث فرقًا في تحقيق التنمية وحماية مقدّرات الوطن.
وردًا على سؤال حول الآلية التي يتبعها الجهاز في متابعة تنفيذ التوصيات الواردة في التقارير الرقابية ومدى تفاعل الجهات مع هذه التوصيات، أكد المحروقي أن العملية الرقابية التي ينتهجها جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة تمر بأربع مراحل؛ وهي: التخطيط، والتنفيذ، وإعداد التقارير، وأخيرًا المتابعة، وهي المرحلة التي يُوليها الجهاز اهتمامًا خاصًا؛ كونها تُعدّ الوسيلة الأساسية لضمان الأثر الفعلي للتوصيات الرقابية على أرض الواقع. وشدد على أن المتابعة ليست مجرد إجراء شكلي؛ بل هي جوهر العملية الرقابية الهادفة إلى تصحيح الإجراءات وتعزيز كفاءة الأداء المؤسسي.
وذكر أنه من هذا المنطلق، أنشأ الجهاز وحدة تنظيمية متخصصة تُعنى بمتابعة تنفيذ التوصيات، وتتولى هذه الوحدة إدارة قاعدة بيانات متكاملة تشمل جميع التوصيات الصادرة، مع بيان موقف كل توصية من حيث التنفيذ، بالتنسيق المستمر مع الوحدات الرقابية المختصة، مشيرًا إلى أن آلية المتابعة تعتمد على إرسال التوصيات رسميًا ضمن تقرير نتائج الفحص إلى الجهات المشمولة بالرقابة، مع المتابعة الدورية للتحقق من تنفيذ التوصيات. وتابع أنه من خلال متابعة توصيات الجهاز، تبيَّن وجود تفاعل إيجابي من معظم الجهات المشمولة بالرقابة، وهو ما يعكس وعيًا متزايدًا لدى الوحدات الحكومية بأهمية التوصيات الرقابية ودورها في تحسين الأداء المؤسسي، وتعزيز النزاهة، وتطوير أنظمة الرقابة الداخلية، كما يعكس ذلك التوجه الحكومي العام نحو الشفافية والمساءلة؛ بما ينسجم مع أهداف رؤية "عُمان 2040" في بناء مؤسسات فاعلة ومتكاملة.
تعزيز القيم والمبادئ
من جهته، قال المكرم الدكتور صالح الفهدي عضو مجلس الدولة والخبير في قضايا المواطنة والتربية، إن من الأهمية بمكان تعزيز القيم والمبادئ؛ لأنها تمثل أساس تكوين الشخصية الإنسانية، موضحًا أنه إذا وُجد خلل ما، فإن ذلك يُعزى إلى ضعف أو هشاشة القيم المكوِّنة للشخصية. وأشار إلى أن تعزيز قيمة الأمانة- على سبيل المثال- أمر لا جدال فيه؛ إذ إنها من القيم الرئيسة في الوظيفة، ولذلك جاء في القرآن الكريم على لسان إحدى الفتاتين اللتين سقى لهما النبي موسى عليه السلام: «قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ۖ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ» (القصص: 26)، مُبيِّنًا أن الأمانة تُعد إحدى أهم القيم المتعلّقة بالوظيفة، لذا وجب تعزيزها بصورة عميقة. وأكد الفهدي أن الإنسان موردٌ أصيل من الموارد التي يقوم عليها الاقتصاد، فإذا تمتع بالكفاءة فإن أداءه سيكون حسنًا، وبالتالي سيكون تأثيره إيجابيًا على الإنتاجية. وأوضح أن الكفاءة لا تُقصد بها القدرات المهنية أو العلمية فحسب؛ بل القِيَمِيَّة أيضًا، مؤكدًا أن قيمتي الإخلاص- أو ما يُسمّى اليوم بالإجادة- وتقدير الوقت، تعدّان أساسيتين في هذا الجانب؛ فإذا كان وعي الإنسان نحوهما عاليًا، أدّى عمله بإتقان واستثمر وقت العمل لصالح إنجاز الواجبات المنوطة به، أما إن كان وعيه ضعيفًا، فلن يُبالي بهما، وسيُؤثِّر ذلك على الاقتصاد الوطني في عمومه؛ بل وسيكون عبئًا على الوظيفة وعلى ما أؤتمن عليه من واجبات تصب في نهاية المطاف لصالح تنمية وطنه.

وبيّن المكرم الدكتور صالح الفهدي أن أبرز القيم التي يجب غرسها في القيادات والإدارات لضمان الوقاية من التجاوزات المالية والإدارية قبل وقوعها هي التقوى، أي الخشية من الله سبحانه وتعالى الرقيب على كل شيء، مستشهدًا بقوله تعالى: «وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ» (التوبة: 105). وأشار إلى أن هذا النص القرآني يؤكد أن هناك مراقبة من الله، وتقييمًا وجزاءً على الإحسان أو التقصير. وأضاف أن النبي صلى الله عليه وسلم حين أوصى الصحابي عبد الله بن عباس- وكان غلامًا صغير السن- قال له بعد أن قال: «إنِّي أُعلِّمُك كَلِماتٍ»، قال: «احفَظِ اللهَ»، أي احفظ حدوده وحقوقه وأوامره ونواهيه، فاتقِ الله في أوامره ونواهيه بحيث يجدك في الطاعات والقربات، ولا يجدك في المعاصي والآثام. وأكد أن هذه القيمة هي الأساس الذي تُبنى عليه القيم الأخرى مثل الأمانة والإخلاص وسواها.
وقال الفهدي إن رسالته الأساسية للمجتمع والشباب تؤكد أن الوطن يقوم على سواعد أبنائه، ويجب أن يكونوا الأمناء حقًّا على مقدراته ومكتسباته، مبينًا أن من آثر مصلحته الذاتية فقد غلبته الأنانية وأعماه الطمع، وهذا يُخرجه من وصف "المواطن المسؤول الصالح" الذي يُعد ركنًا أصيلًا من أركان نهضة الوطن وسببًا في تقدمه ونمائه. وأضاف أن الوطن أمانة على عاتق الجميع، فمن فرّط فيها فقد آذى وطنه وأضرّ بأهله، ومن صانها فقد أحرز الشرف ونال الفخر؛ فكم من خرج من الوظيفة وهو يفخر بما أنجز وما أدّى من أمانة، ضميره مرتاح ونفسه راضية، وكم من خرج وهو يشعر في قرارة نفسه بأنه قصّر في الأمانة وأهمل في الواجب. وأكد أنه على الجميع قبل كل شيء أن يخشوا الله في أعمالهم ويتقوه فيما يقومون به، مشددًا على أن كل عمل يخالف الله لن يجلب لصاحبه السعادة وإن أوهمته نفسه بذلك، بل الشقاء الدائم عاجلًا أو آجلًا في الدنيا والآخرة. واختتم الفهدي تصريحه موجهًا حديثه لأبناء عُمان الأوفياء، قائلًا: "تذكّروا بأن مستقبل الوطن في ضمائركم، فكونوا أنقياء الضمائر، أمناء عليه".
مسؤولية الإعلام
من جانبها، قالت الدكتورة حنان بنت عبدالعزيز الكندية، إعلامية ومستشارة في الاتصال المؤسسي، إنها ترى أن الإعلام يتحمل مسؤولية جوهرية في نقل نتائج ملخص المجتمع بموضوعية ووعي، موضحةً أنه يشكل الجسر الذي يربط بين الجهات الرقابية والجمهور. وأكدت أن الدقة لا تعني الجمود؛ بل الفهم العميق للمضامين وتحويلها إلى أرقام ورسائل مترابطة تُعرض بمنطقية وتُقدّم بلغة واضحة، دون تهويل يُثير القلق أو تبسيط يُفرغ المحتوى من قيمته. وأضافت أن تحقيق هذه المعادلة بين التحليل والتبسيط يتطلب من الإعلامي المحافظة على دقة المعلومة مع الحرص في الوقت ذاته على جعل الرسالة مفهومة ومطمئنة، ليبقى الرأي العام مطّلعًا وواعيًا لا مشوشًا أو متوترًا من كثافة المعلومات والمعطيات.

وبيّنت الكندية أن الشفافية لا تُبنى بالتصريحات وحدها، بل من خلال خطاب إعلامي مستمر ومتكامل يستند إلى البيانات البصرية والسرد القصصي المنسجم مع الواقع، مع ضرورة التنسيق بين مختلف الوسائل الإعلامية الرسمية والخاصة لضمان وحدة الرسالة والمضمون. وأوضحت أن الإعلام الرقمي اليوم يمتلك أدوات فعّالة مثل: الإنفوجراف (الرسوم البيانية) والبودكاست، والمقاطع التوعوية القصيرة التي تُسهم في تقريب مفاهيم النزاهة والشفافية من المواطن، مؤكدةً أن توحيد الرسائل الإعلامية بين المؤسسات والجهات الرقابية أصبح ضرورة لتعزيز الثقة ومنع تضارب التفسيرات في الفضاء العام.
وفي الجانب الاجتماعي، أوضحت الكندية أن التجاوزات المالية والإدارية تؤثر بطبيعة الحال على ثقة المواطنين بالمؤسسات العامة، مشيرةً إلى أن المجتمع اليوم أكثر وعيًا ومتابعة بفضل الفضاء الرقمي المفتوح. وأكدت أن من المهم كيفية تعامل المؤسسات مع وقوع التجاوزات؛ حيث إن المصارحة والمساءلة العلنية تُعيدان الثقة وتحولان الأخطاء إلى فرص للتحسين، مشددةً على أن الثقة لا تُبنى بالإنكار أو الدفاع المفرط؛ بل بالصدق والاستجابة السريعة والشفافة، وأن الاعتراف بالتقصير أحيانًا يكون الموقف الأكثر نبلًا ومسؤولية لأنه يعكس إحساسًا بالأمانة تجاه الوطن والمواطن.
وحول التعاون بين المستشارين الإعلاميين والاجتماعيين والجهات الرقابية، أوضحت الكندية أن الاستثمار الفعّال في القطاع الإعلامي يتطلب تكاتف مختلف المؤسسات الرسمية والخاصة، مؤكدةً أن إعداد الاستراتيجيات الإعلامية ليس عملًا تقنيًا فحسب، بل نتاج فكر تكاملي بين المستشارين والمحللين في مجالاتهم. وأضافت أن من الضروري تنظيم جلسات حوارية وحملات توعوية وبرامج تحليل مجتمعي تحول التقرير من وثيقة تُقرأ في نهاية العام إلى حركة وعي مجتمعي مستمرة، تُسهم في تعزيز ثقافة النزاهة والمساءلة.
أما عن أبرز التحديات التي تواجه الإعلام عند تغطية قضايا مثل "ملخص المجتمع"، قالت الخبيرة الإعلامية إن من أبرز هذه التحديات: ضعف الفهم الفني لمضامين التقارير، وتسرُّع بعض المنصات في نشر الأخبار دون تحقق كافٍ، إضافة إلى قراءات تحليلية غير منهجية تُحدث تشويشًا في الرسالة. وبيّنت أن الحل يكمن في الاستثمار بتأهيل الصحفيين وتمكينهم من قراءة البيانات قراءة دقيقة ومهنية، وترسيخ مبدأ "التحقق قبل النشر" كقاعدة أساسية في العمل الإعلامي، إلى جانب تمكين المتحدثين الرسميين المؤهلين من أداء دور فاعل في تفسير ونقل الرسالة قبل وأثناء وبعد نشر التقارير.
وشددت الكندية على أن الإعلام شريك في صناعة الوعي وليس ناقلًا للأخبار فقط، وأن الإعلامي حين يعمل بوعي ومسؤولية يصبح جزءًا من منظومة الإصلاح، مساهمًا في ترسيخ ثقافة النزاهة والمساءلة التي يقوم عليها مستقبل المؤسسات الوطنية في عُمان التي نريد.
نتائج اقتصادية
من جانبه، أبرز الدكتور خالد بن سعيد العامري، رئيس مجلس إدارة الجمعية الاقتصادية العُمانية، التداعيات الاقتصادية للتجاوزات المالية والإدارية على الأداء الكلي وثقة المستثمرين، وقال إن كل ريال يُستردّ اليوم كان يمكن أن يُوفَّر عبر ضوابط وقائية بالأمس، موضحًا أن استمرار المخالفات يعني انحراف الموارد عن أولويات النمو، ويُخفض مضاعِف الإنفاق العام بسبب الهدر وتأخّر المشروعات. وأضاف أن أرقام الاسترداد البالغة 58 مليون ريال عُماني تُظهر مكاسب آنية، لكنها تكشف أيضًا كلفة صامتة في التأخير والتحصيل اللاحق.

وأوضح العامري أنه بحسب ملخّص المجتمع نفّذ جهاز الرقابة المالية والإدارية 225 مهمة فحص وأصدر 172 تقريرًا على وحدات وهيئات وشركات مملوكة للدولة، موضحًا أن هذا الرقم يعكس تغطية رقابية واسعة وممنهجة. وأضاف أن الجهاز أنجز 63 دراسة تشريعية وقدّم ملاحظات على مشاريع قوانين ولوائح مالية، مشيرًا إلى أن الأثر المالي يكمن في استرداد 58 مليون ريال عُماني إلى خزينة الدولة، منها 25 مليون ريال عُماني تم استردادها في عام 2024، و33 مليون ريال عُماني تم استردادها في عام 2023، وهو ما يُعد مؤشرًا على تحسّن فعالية الاسترداد وتقليص الهدر الفعلي للمال العام. وأوضح العامري أن جهاز الرقابة المالية والإدارية تعامل في العام المنصرم مع 25 قضية أموال عامة قيد النظر القضائي، و47 محضر تحرٍّ لمخالفات مالية أو إدارية ذات شبهة جنائية، مؤكدًا أن هذه الأرقام تُظهر الانضباط المالي وتحسّن جانب الاسترداد، غير أن أنماط المخالفات ما زالت حاضرة بما يعكس تحديات سلوكية وهيكلية تحتاج إلى سياسات وقاية وضبط أشد.
وأضاف العامري أن جهاز الرقابة المالية والإدارية تلقّى 1378 شكوى وبلاغًا في عام 2024، وأنجز منها نحو 90%، وهو ما يوحي بتنامي الثقة المجتمعية في قنوات الإبلاغ وتأثيرها الوقائي.
وقال إنّه على مستوى الكفاءة التشغيلية، هناك تحسّن ملحوظ في استرداد الأموال واتساع التغطية الرقابية، أما على مستوى سلامة الإنفاق، فهناك مجال لتحسين ضبط المشتريات والحوكمة وإدارة العقود والخدمات، مشيرًا إلى أن الانضباط قد تحسّن، لكنه ما زال مصحوبًا باستمرارية بعض المخاطر التي تتطلب إصلاحات مؤسسية أعمق.
وأشار العامري إلى أن التقارير الرسمية تُظهر تحسّن الصورة الكلية، إذ سجّلت السلطنة فائضًا ماليًا في عام 2024، وانخفض الدين العام إلى نحو 35% من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية العام ذاته، وهي عوامل تدعم الثقة، لكن استدامتها تتطلب تقليص حالات المخالفات وتعزيز شفافية المتابعة وغيرها من الإجراءات.
وبالتوازي مع هذه الجهود، سلّط رئيس مجلس إدارة الجمعية الاقتصادية العُمانية الضوء على بيانات الاستثمار الأجنبي المباشر، والتي تُظهر استقطاب ما يزيد على 30 مليار ريال عُماني بنهاية الربع الأول من عام 2025، مع ارتفاع التدفقات الاستثمارية مقارنة بعام 2024، ما يعكس تحسّن الجاذبية الاستثمارية.
الالتزام بالقوانين
وقال الدكتور أحمد بن سعيد الجهوري الخبير القانوني والرئيس التنفيذي لشركة الدكتور أحمد بن سعيد الجهوري وشريكه للمحاماة والاستشارات القانونية إن تقييم مدى التزام الجهات الحكومية بالقوانين واللوائح لا يمكن أن يُعطى بصورة عامة لكل الجهات؛ لأن هذه الجهات تمثلها كوادر بشرية تتفاوت مستويات التزامها. وأوضح أن هناك موظفين ملتزمين بأحكام القوانين واللوائح التنظيمية، وهناك من قد يتساهل أو يقصر في تنفيذ المهام الموكلة إليه، ونتيجة لهذا التفاوت تم إنشاء منظومات رقابية للتعامل مع حالات التقصير؛ سواء كانت بحسن نية نتيجة الجهل أو ضعف الإلمام، أو بسوء نية بقصد الإضرار أو الاعتداء على المال العام. وأضاف أن التشريعات المتوفرة تشكل إطارًا ملزمًا للجميع دون استثناء، وأنه لا ينبغي تعميم الحكم على جميع الجهات الحكومية، بل يجب تقييم السلوكيات الفردية للمكلفين بالعمل داخل تلك الجهات.

وحول من يتحمل المسؤولية القانونية المباشرة عن التجاوزات، بيَّن الجهوري أن المسؤولية تقع على من أُسندت إليه المهام الوظيفية أو الرقابية ذات الصلة بالتجاوز، فإذا ثُبت التقصير يُسأل الموظف التنفيذي عن أفعاله بصورة شخصية وفق نظرية المسؤولية الشخصية، وقد تمتد المسؤولية أيضًا إلى المشرف أو الرئيس الإداري عن سوء الإشراف أو التقصير في المتابعة. وأوضح أن أي ضرر مالي أو إداري ناتج عن الفعل قد تُطبق بشأنه العقوبات المنصوص عليها في القوانين؛ سواء كانت عقوبات إدارية مثل الإنذار أو الخصم أو لفت النظر، أو عقوبات جزائية مثل السجن أو الغرامة أو رد المال. وأكد الجهوري أن التشريعات العُمانية في أصلها كافية ورادعة ومتوافقة مع المعايير، إلا أن الإشكال غالبًا يكمن في تفعيلها وتطبيقها بصرامة على أرض الواقع.
وعن وجود ثغرات أو نقاط ضعف في القوانين واللوائح، أوضح الجهوري أن غالبية التشريعات القانونية المتعلقة بحماية المال العام جاءت وافية ومتوازنة، ومن أبرزها قانون حماية المال العام وتجنب تضارب المصالح الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (112/2011)، الذي نظم التجاوزات وجرم الأفعال المخلة وقرر العقوبات المناسبة لها. وأضاف أن الرأي العام قد يظن بغياب التشريع، بينما السبب غالبًا يكون ضعف تطبيق القانون أو عدم تفعيل الرقابة بالشكل الصحيح، مشيرًا إلى أن كل واقعة تخضع لظروفها الخاصة فيما يتعلق بتقدير العقوبة الإدارية أو الجزائية، وأن التشريعات تتسم بالمرونة بحيث يمكن تطويرها وتعديلها وفق مستجدات الواقع واحتياجات المرحلة، مما يحقق مواءمة قانونية واستجابة فعالة.
وفيما يتعلق بالإجراءات القانونية لتعزيز حماية المال العام وضمان استرداد الأموال المتجاوز عليها، أكد الجهوري أن هناك العديد من الإجراءات الفعالة، مشيرًا إلى أهمية تطبيق مبادئ الحوكمة في الأجهزة الحكومية لتعزيز الشفافية والمساءلة، وتحديد مدد زمنية لمعالجة التجاوزات ومنع التراخي الإداري، وتعزيز الرقابة الرقمية للحد من الأخطاء البشرية، ورفع كفاءة الموارد البشرية في وحدات الحوكمة والرقابة، وتفعيل الإجراءات القضائية للإلزام بالرد واسترداد الأموال محل التجاوز، إلى جانب تطوير آليات التدقيق الداخلي في الجهات الحكومية.
وأشار الجهوري إلى دور المواطنين والمؤسسات في دعم تطبيق القانون وتعزيز المساءلة والشفافية، موضحًا أن المجتمع يمكنه المساهمة في حماية المال العام من خلال الإبلاغ عن أي تجاوزات بعد التثبت من صحتها، واستشعار المسؤولية الوطنية؛ باعتبار المال العام ملكٌ للجميع، إلى جانب دعم ثقافة الرقابة المجتمعية عبر التواصل مع الجهات المختصة، والتعاون في نشر الوعي القانوني للحد من المخالفات، وإرساء قيم النزاهة في الوسط الوظيفي والمهني، مؤكدًا أن هذا التعاون يعود بالنفع المباشر على تحسين الأداء الإداري والمالي ومنع تكرار المخالفات.
