جمالُكِ يهمنا

 

جابر حسين العُماني **

jaber.alomani14@gmail.com

ظاهرة اجتماعية غريبة انتشرت في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، كالنار في الهشيم، وأصبحت تؤرق فئة كبيرة من أبناء المُجتمع، وهي انتشار صور النساء السافرات على واجهات صالونات التجميل، ومحال العناية بالبشرة، والتي باتت تُثير الكثير من التساؤلات لدى أبناء المجتمع المحافظ، فيا ترى هل إبراز صور النساء غير المحتشمات على واجهات صالونات التجميل يتوافق مع عاداتنا وتقاليدنا العربية والإسلامية التي تربينا عليها؟

الجواب على السؤال هو الآتي: إن جميع الصور المعروضة على واجهة تلك المحال التجارية تتعارض ولا تتوافق جملة وتفصيلا مع المنظومة الأخلاقية والقيمية التي تربى عليها المجتمع العربي، والذي كان منذ القدم يؤمن إيمانا راسخا بأهمية احتشام المرأة، والحفاظ على حيائها وسترها وعفتها، وكما قال أمير الكلام الإمام علي بن أبي طالب: "عَلَى قَدْرِ اَلْحَيَاءِ تَكُونُ اَلْعِفَّةُ". فينبغي عدم إبراز مفاتن المرأة فذلك في حد ذاته خروجا على السلوكيات الطيبة التي تربى عليها الإنسان العربي الأصيل، فإلى أين نحن نسير؟

لا يخفى على أحد أن تلك الصور المخلة، لها تأثيرات كبيرة جدا في ترسيخ مفهوم التبرج في المجتمع، فهي تجعل من جسد المرأة مجرد سلعة رخيصة تعرض على واجهات المحال التجارية التي يمر عليها الجيل الناشئ في كل يوم فيتأثر بها وينجر نحو الانحراف الأخلاقي والسلوكي.

هناك شريحة كبيرة من أبناء المجتمع يتساءلون عن دور الجهات الحكومية والرسمية، حول ما يعرض ويروج له على واجهات صالونات التجميل من صور النساء المتبرجات، ولماذا تسمح الجهات المسؤولة بإعطاء موافقات لتلك المحال التجارية، لعرض ما يحلو لها من صور غير محتشمة، والتي أصبح من لا يتقبل عرضها من أبناء المجتمع في الأماكن العامة. أليس من الواجب أن يكون هناك قانون صارم وواضح ينظم تلك الإعلانات والصور المنتشرة، بما يضمن توافقها مع الذوق العام والقيم الاجتماعية؟

المطلوب اليوم من الجهات الرسمية والمسؤولة، إصدار لوائح منظمة تنظم تلك الصور المعروضة على واجهات صالونات التجميل.

ومن أجل وضع النقاط على الحروف، ينبغي توعية المجتمع ومؤسساته حول أضرار عرض صور النساء المتبرجات بمظاهر جمالية مبالغ فيها على واجهات صالونات التجميل في الأماكن العامة وتأثيرها على أبنائنا وبناتنا وهي كالآتي:

أولًا: الإخلال بالآداب وخدش الحياء العام، خصوصا عندما تكون تلك الصور مثيرة وغير مقبولة.

ثانيًا: التأثيرات السلبية على الأطفال والمراهقين، وذلك عندما يتكرر نظر الطفل أو المراهق إلى تلك الصور، فهي تعطي نظرة خاطئة حول مفهوم الجمال الحقيقي للمرأة، وتجعل الأطفال والمراهقين يقلدون ما يرونه أمامهم، مما يسيء إلى طفولتهم ومراهقتهم.

ثالثًا: تحويل المرأة التي كرمها الله تعالى وأعزها في الإسلام، إلى سلعة، واستبدالها ككائن بشري غير فاعل في الحياة الاجتماعية والأسرية بحيث تختزل في أنوثتها ومظهرها الخارجي لا أكثر.

اليوم هناك بدائل مؤثرة ومحترمة تجمع بين الجذب السريع والذوق الرفيع، والتي ينبغي التفاعل معها بدلا من عرض وجوه النساء على صالونات التجميل. والبدائل كثيرة ومنها استخدام الرسم الاحترافي في رسم فرش المكياج أو أدوات العناية بالبشرة؛ فهي تعطي طابعا مناسبا لصالون التجميل النسائي، دون الحاجة لعرض صور النساء، أو عرض صور للمنتجات المعروفة والمشهورة عالميا كالزيوت وأدوات التجميل المختلفة مثل الماسكات والكريمات وغيرها؛ فهي تعزز الثقة الكبيرة بين الزبائن وأصحاب الصالونات النسائية، دون المساس بالذوق العام، أو عرض صور لتسريحات قبل وبعد وهو ما يساعد الزبائن على التفريق والتمييز بين الماضي والحاضر دون أي تعدٍ على الخصوصيات، أو التركيز على كتابة الخطوط الجمالية على اللوحات الخارجية بعبارات تسويقية أجمل مثل "جمالك يهمنا" أو "أنت تستحقين الأفضل والأجمل"، وهي عبارات تساعد كثيرا في تخيل صورة ذهنية جاذبة وجميلة ومميزة عن صالون التجميل وما يقدمه من خدمات لزبائنه.

أخيرًا.. علينا أن نعمل معًا لمصلحة مجتمعاتنا وتنظيمها بما يتوافق مع أعرافنا الاجتماعية والإنسانية الأصيلة، مع الحذر الشديد من الانجرار وراء العادات الدخيلة التي لا تُسمن ولا تُغني من جوع.

** عضو الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء

الأكثر قراءة