هواجس افتتاح مكتب للبنك الدولي في عُمان

 

 

 

خلفان الطوقي

 

 

شهدت مواقع التواصل الاجتماعي نقاشًا واسعًا إثر إعلان سلطنة عُمان عن افتتاح مكتب لمجموعة البنك الدولي في مسقط، وانقسم المعلقون على الخبر إلى فريقين؛ الأول يُؤيد هذه الخطوة، والآخر يعارضها، ولكل طرف أسبابه ومبرراته.

الفريق المعارض يرى أن البنك الدولي سوف يُملي سياساته الاقتصادية والاجتماعية على الحكومة، وهذه السياسات سوف تكون مصدر تضييق على المواطن والمقيم، وسوف تقيده بشكل مطلق، وما إن يحل البنك في مكان إلا حلَّ الخراب، أضف إلى ذلك الصورة النمطية المرتبطة عن البنك الدولي وبقية مؤسساته مثل البنك الدولي للإنشاء والتعمير أو التنمية أو وكالة ضمان الاستثمار أو المركز الدولي لتسوية المنازعات، وحتى غيرها من الوكالات الشبيهة كصندوق النقد وغيرها، رغم اختلاف الأدوار والاختصاصات.

الهدف من هذه المقالة توضيح بعض التعاميم المطلقة عن البنك الدولي، ولأننا نتحدث هنا عن افتتاح فرع له في عُمان، فسوف يتم التركيز عليه من هذه الناحية، ومن المجدي أن نناقش الموضوع بعقلانية وحيادية دون انحياز، فهل هناك ضرر من وجود مكتب له في سلطنة عُمان؟ وما هي الأضرار والمكاسب الناتجة من وجود مثل هذا المكتب هنا؟ المقالة سوف تكون خليطا من المعلومات لإزالة اللبس والصورة النمطية السلبية المطلقة المنتشرة لدى كثير من العامة من الناس، وبعد السرد ربما سوف تتضح الصورة أكثر، والهدف ليس الجدال العقيم، وإنما توضيح الصورة ليس إلّا، وإثراء الحوار لتصل أصوات من هم مع أو ضد إلى الحكومة.

وأهم هذه الحقائق ما يلي:

- العضوية: سلطنة عُمان هي أحد أعضاء البنك الدولي، وانضمام السلطنة إليها منذ عام 1971، حالها حال أكثر من 189 دولة حول العالم.

- فروع للبنك: هناك من يروج لخطورة وجود فرع للبنك في عُمان، والحقيقة أن الفرع لا يشكل خطرًا أو ضغطًا على أحد، وللعلم هناك فروع للبنك في عدة دول، ودول خليجية، مثل وجود مكتبين للبنك في المملكة العربية السعودية، ومكتب في العاصمة الإماراتية أبوظبي، ومكتب في الدوحة في دولة قطر، ومكتب في الكويت، لذلك أرى من المناسب عدم تهويل الموضوع، وإعطائه أكثر من حقه.

- الخدمات المساندة: وجود فرع للبنك لا يعني إمكانية الاستفادة القصوى من البنك ومشوراته المالية والاقتصادية والفنية فقط؛ بل الاستفادة من مؤسساته التابعة له، والاستفادة لا تختصر على الحكومة العُمانية فقط؛ بل تشمل القطاع الخاص أيضًا، وسوف أشرح هذه الجزئية أدناه.

- شبكة علاقات دولية: وجود مكتب في عُمان لا يعني بالضرورة التعامل معه مباشرة، لكن الحقيقة التي لا بد أن تكون واضحة أن المكتب لديه شبكة تجارية دولية، ويمكن للسلطنة الاستفادة القصوى من ذلك، ومن خلال هذا المكتب يمكن توفير شبكة تجارية خليجية وإقليمية وعالمية تضمن توسعة رقعة إضافية للصادرات العُمانية إلى خارج عُمان، إضافة إلى سرعة تنمية العلاقات الحكومية مع باقي المؤسسات الدولية من خلال هذا المكتب.

- الحلول التمويلية: لقد تعاون البنك الدولي ومؤسساته التابعة له، وقدّم التسهيلات التمويلية طويلة المدى لعدة شركات من القطاع الخاص مثل: بنك صحار الدولي، والشركة الوطنية للتمويل، وشركة يونايتد سولار بولي سيلكون UTS لصناعة الألواح الشمسية، لذلك وجود المكتب هو للإشراف على هذه الاتفاقيات المشتركة، مع العلم بأن الحكومة لم ولن تقدم ضمانات لهذه الاتفاقيات المشتركة فيما بينهما.

- استكشاف فرص استثمارية جديدة: وخاصة مع جهاز الاستثمار العُماني والصناديق التابعة له كصندوق عُمان المستقبل، والشركات الحكومية وشبه الحكومية، والأذرع الاستثمارية التابعة لمنظومة الحماية الاجتماعية وباقي شركات القطاع الخاص خاصة الكبرى منها.

- التوظيف: بالرغم من ترؤس غير عُماني للمكتب، وهذا أمر طبيعي لأن المكتب منظمة دولية وليس هيئة أو مؤسسة محلية عُمانية، وذلك لا يمنع توظيف عُمانيين في هذا الفرع، علمًا بأن هناك من المواطنين من تدربوا في البنك الدولي والمؤسسات التابعة له، وما زال هناك من هو مستفيد إلى الآن من البرامج التدريبية والتأهيلية (on job training) للبنك والمؤسسات التابعة له.

-   المصداقية والموثوقية: وجود مكتب يتبع البنك يعطي قيمة مضافة في نظر المؤسسات الدولية والصناديق الاستثمارية العالمية، مما يؤهل السلطنة لفرص استثمارية إضافية للقطاع الخاص.

- الافضلية والاسبقية: وجود فرع للمكتب في سلطنة عُمان يعطي فرصة الأفضلية والأسبقية لاستفادة الهيئات الحكومية من الخدمات الاستشارية لعُمان بسهولة ويسر خاصة في الاستشارات التمويلية والاستثمارية والصحية والبيئية ومنظومة الحماية الاجتماعية وبناء القدرات والموارد البشرية المتخصصة، وغيرها من المواضيع العالمية التخصصية، والتي يمكن أن تقدم من خلال البنك أو الجهات التابعة والمنبثقة منه.

- الاستفادة القصوى: لا تكمن الفائدة من البنك الدولي فقط، بل الاستفادة القصوى هي استفادة يمكن للجهات الحكومية والصناديق الاستثمارية والجهات التمويلية كالبنوك والمؤسسات العُمانية التمويلية والشركات العُمانية خاصة الكبرى منها الاستفادة من المؤسسات التابعة للبنك كالوكالة الدولية لضمان الاستثمار والمؤسسة الدولية للتنمية، ومؤسسة التمويل الدولية، والبنك الدولي للإنشاء والتعمير، والمركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار.

إنَّ سلطنة عُمان هي المُبادِرة في الاستفادة القصوى من البنك وخدماته التخصصية والمنوعة، ويظهر ذلك جليا منذ عام 2020 خاصة في الاجتماع التشاوري السنوي، والمعطيات أعلاه توضح أن الحكومة لديها النية في الاستفادة القصوى من البنك بحكم العضوية والمساهمة المالية التي تدفعها، ووجود المكتب يمكن أن يضاعف المنافع لها وللقطاع الخاص، ولمن يُشكك في المضار أو الاستفادة التي ألحقها أو جلبها البنك لبعض الدول، فعليه النظر في حيثيات ومعطيات وظروف كل دولة على حدة، فلا يمكن مقارنة نموذج كوريا الجنوبية بالأرجنتين، أو نموذج الهند بزمبابوي، وقس على ذلك. وبناءً عليه، يمكن القول إن البنك الدولي ليس كما يشاع أو مرسوم كصورة نمطية سلبية بالمطلق، إنما يعتمد علينا في كيفية التعامل معه بمهنية عالية ومن خلال مفاوضين مؤهلين، وضرورة المبادرة المبكرة في الاستفادة القصوى من ما ينفعنا، وينطبق ذلك كاستفادتنا من فرع مكتب اليونسكو أو اليونيسيف أو أي منظمات عالمية لها فروع في عُمان.

والهواجس الوطنية تبقى مشروعة ونابعة من غيرة ترغب أن ترى عُمان آمنة وفي تطور مستدام، والمطلب المجتمعي العقلاني أن يكون من يتعامل مع هذه المنظمات العالمية مفاوضين مؤهلين يعظمون الاستفادة القصوى من فرع مكتب البنك الدولي ومن كافة المنظمات التابعة والمنبثقة منه، وطمأنة المجتمع من خلال حملة توعوية بأن هذه الخطوة هي لصالح عُمان، ولا يوجد أدنى مخاطر منها، خاصة أن البنك الدولي ليس كصندوق النقد الدولي (IMF)؛ فالبنك دوره تنموي ويقدم منحًا مالية واستشارات تنموية ودعمًا فنيًا في كافة المجالات التي تم ذكر بعضها أعلاه، وليس له علاقة بالتدخل المباشر في السياسات المالية أو النقدية.

الأكثر قراءة