د. سعيد الكثيري
يُوصف طوفان الأقصى بمعايير كثيرة بأنَّه معركة العصر، التي أعادت رسم مفهوم الصراع، وهزمت مؤسسات الاحتلال العسكرية والأمنية وأخرست دعاياته بأنه جيش لا يُقهر وسببت له صدمة استراتيجية غير مسبوقة، وحطمت كيانه وكسرت هيبته، وأظهرت جرائمه التي أيقظت الوعي العالمي تجاه حقيقة هذا الصراع، وصمدت غزة بإيمانها لتغيّر المعادلات السياسية لمواجهة الاحتلال، وكشفت ازدواجية المعايير في السياسة وحقوق الإنسان ومثلت مقياساً للمواقف، وأحدثت تحوّلا كبيرا في الوعي العالمي وأعادت ترتيب الأولويات لتؤكد بأن ما بعد السابع من أكتوبر ليس كما قبله، وأكدت أن معركة طوفان الأقصى هي بداية لعصر جديد تعود فيه للأمة عزتها ولفلسطين حريتها، ففي هذا الزمن الفاصل من تاريخ الأمة تتجلى معركة غزة كأعظم معارك العصر وأصدقها تعبيرًا عن إرادة الشعوب في التَّحرر والكرامة.
هي ليست معركة حدود أو سلاح؛ بل معركة وجود ووعي وصمود في وجه آلة الاحتلال ودول الاستعمار المساندة له بكل وسائل السلاح والتقنية الحديثة، وأثبتت غزة أن الإرادة أقوى من القوة، وأن الإيمان يصنع المعجزات وبقي شعبها واقفًا شامخًا، صامدًا، يكتب بدمائه فصول الحرية للأمة.
كشفت معركة غزة زيف الشعارات الغربية الرسمية عن العدالة وحقوق الإنسان، وفضحت صمت المؤسسات الدولية أمام جرائم الإبادة والتطهير العرقي، وفي الوقت نفسه أيقظت ضمير الإنسانية الحرة في العالم للتضامن مع غزة، التي تؤكد بأن معركتها ليست معركة حدودٍ أو مدينة، بل معركة شعبٍ وأمةٍ في وجه الاحتلال والعدوان، وقدّمت نموذجًا للصمود والصبر، ورسّخت معادلة بأنَّ فلسطين لن تُحرَّر إلا بالمقاومة والثبات، ومن تحت الركام رفعت راية العزة والانتصار للكرامة والإرادة الحرّة رغم الحصار والتجويع، وأعادت للأمة الثقة بأنَّ النصر ممكن حين تتوحّد الإرادة.
صمدت غزة رغم ثخن الجراح والألم وانتصرت للحرية والإنسانية.
وتبقى غزة شموخا وعزة.