7 أكتوبر.. يومٌ انكشفت فيه الأساطير

 

 

محمد بن علي البادي

 

في تاريخِ الشّعوبِ هناك لحظاتٌ مفصليّةٌ لا تقاس بالسّاعاتِ والدقائقِ، بل تقاس بِما أحدثتْه من تغييراتٍ في الوعْيِ والواقعِ والمُستقبلِ. والسّابع من أكتوبر واحِدٌ من تِلك الأيامِ التي لن تمحى من ذاكرةِ الأمةِ.

مع بزوغِ فجْرِ ذلك اليومِ، انطلقتْ عملية طوفان الأقصى، التي لم تكن مجرّد هجومٍ عسكريٍّ، بل كانت صرخةً أمّةٍ محاصرةٍ منذ عقودٍ. نجحتِ المقاومة الفِلسْطينية في عبورِ الحدودِ، وتجاوزِ الحواجزِ، والوصولِ إلى عمقِ المستوطناتِ والمواقِعِ العسكريّةِ الإسرائيليةِ، لتضع حدًّا لأسطورةِ الجيشِ الذي "لا يُقهر".

كان المشهد صادِمًا؛ إِسرائيل التي لطالما تغنّت بِقدرتِها الأمنيّةِ والاستخباريّةِ وجدت نفسها عاريةً أمام العالمِ. مِئات المقاتِلين دخلوا بِجرأةٍ، أسروا الجنود، سيطروا على المواقِعِ، وأسقطوا هِيبةً صنِعت بالدّعايةِ أكثر مما صنِعت بالقوّةِ.

لكن الرّد الإسرائيلي جاء سريعًا، دمويًّا، لا يفرِّق بين مقاتِلٍ وطِفلٍ، ولا بين هدفٍ عسكريٍّ وبيوتٍ آمنةٍ. تحوّل العدوان إلى مجازِر موثّقةٍ بالصوتِ والصورةِ، حتّى بدا المشهد وكأنّه عِقابٌ جماعيٌّ لِشعبٍ بأكملهِ، فقط لأنه تجرّأ وقال: "لا".

ومع ذلك، لم يبق السّابع من أكتوبر حدثًا فِلسْطينيًّا – إسرائيليًّا فحسْب، بل ارتدّت أصداؤه في كلِّ مكانٍ. في واشنطن اهتزّتِ الثّقة في الحليفِ الإسرائيليِّ، وفي العواصمِ الأوروبيةِ ارتبكت المواقِف بين دعمٍ أعمى لإسرائيل ومحاولاتٍ خجولةٍ لِموازنةِ الصّورةِ. أمّا في الشّارعِ العربيّ والإسلاميّ، فعاد الوعي من جديدٍ؛ خرجتِ الملايين في تظاهراتٍ، رفعت الأعلام الفِلسْطينية، وأعادتِ للقضيةِ مكانتها التي حاولت مشاريع التطبيعِ أن تطمِسها.

لم يكنِ السّابع من أكتوبر مجرّد عمليةٍ عسكريّةٍ ولا مجرّد تاريخٍ دمويٍّ في سِجلِّ الصراعِ، بل كان رسالةً استراتيجيّةً للأمّةِ بأكملها: أن التّحصين الدّاخليّ هو مفتاح مواجهةِ الخارجِ، وأنّ الشّعوب التي تتمسّك بقضيتِها قادِرةٌ على أن تقلِّب الموازين مهما اختلّت معادِلات القوّةِ. لقد كشف ذلك اليومِ أنّ أساطير القوّةِ تنهار أمام الإيمانِ والعزيمةِ، وأنّ الاحتلال مهما تفرّعن فهو هشٌّ أمام إرادةِ الحرّيّةِ.

إنّ الأمّة إذا ما استخلصتِ الدّروس، وتجاوزت خلافاتِها، ووحّدت صفوفها، فلن يكون السابع من أكتوبر مجرّد ذِكرى، بل سيكون بدءِ عهدٍ جديدٍ يكتب فيهِ الفِلسْطينيّون والعرب والمسلمون فصلًا آخر من فصولِ التّحرّرِ والانتصارِ.

وفي ختامِ هذا اليومِ الذي لن ينسى، تبقى الرسالة أصدق من كلّ كلامٍ: إنّ الإرادة أقوى من السّلاح، والصمود أبلغ من كل تهديد، والحقّ لا يمحى مهما طال الظلام.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة