مياه المكيّفات: ثروة مائية مهدورة

 

 

إسماعيل بن شهاب البلوشي

في وقتٍ يتزايد فيه القلق حول الأمن المائي، ويُطرح السؤال: من أين نأتي بالمياه لأجيالنا القادمة؟ نجد أنَّ بين أيدينا ثروة مائية تتسرب يوميًا إلى الأرض أو شبكات الصرف دون أدنى استفادة. إنّها مياه المكيّفات، التي تنتج بكميات هائلة في المناطق الساحلية الحارة الرطبة، ولكنها حتى اليوم تُعامل كـ"مخلفات" لا كـ"ثروة".

لقد كتبتُ قبل أكثر من عقدين، في بدايات الألفية الثالثة، مقالًا في جريدة الوطن أوضحت فيه هذه الفكرة، وقلت آنذاك: "نحن على أعتاب مرحلة جديدة في مشروعات الصرف الصحي، فلماذا لا نضيف أنبوبًا مخصصًا لمياه المكيّفات؟" واليوم، ما زلت أستغرب أن هذه الفكرة لم تُترجم إلى مشروع وطني رائد، رغم بساطتها وجدواها.

ولنقرأ الحقائق والأرقام التالية:

  • مكيف واحد بحجم 2 طن تبريد في المناطق الساحلية الرطبة قد يُنتج 80 لترًا يوميًا من المياه النقية تقريبًا (صفر أملاح تقريبًا).
  • منزل صغير يحوي خمسة مكيفات يمكن أن ينتج ما يقارب 400 لتر يوميًا، أي ما يعادل نصف صهريج صغير!
  • إذا ما جمعنا إنتاج المكيّفات في حي سكني أو ولاية كاملة، فإننا نتحدث عن آلاف الأمتار المكعبة يوميًا، وهي كمية قادرة على ري مساحات زراعية واسعة أو إعادة تغذية خزانات السدود.

إنها مياه "مُقطّرة" بطبيعتها؛ لأنها نتاج تكاثف بخار الماء من الهواء، لكنها تحتاج فقط إلى تعقيم بسيط أو ترشيح صحي لتكون صالحة للشرب.

أين يكمن الخلل؟

الغريب أنَّ دولنا تستورد التكنولوجيا نفسها من الغرب؛ الكهرباء، المكيفات، الغاز… ونستهلكها كما صُممت هناك، دون أن نبدع في تطوير حلول تناسب بيئتنا. ولو كانت أوروبا أو اليابان في موقعنا الجغرافي الحار الرطب، لكانت أول من حوّل مياه المكيّفات إلى مشروع وطني للأمن المائي.

لكننا- رغم حاجتنا الشديدة- لم نفعل شيئًا، فما زالت هذه الكميات تُهدر كل يوم، في وقت نتحدث فيه عن نقص المياه، وارتفاع تكلفة التحلية، وتزايد الضغط على مواردنا الطبيعية.

لذلك نقول إن التفكير في تجميع مياه المكيّفات ليس رفاهية، بل هو ضرورة وطنية:

1- إعادة الضخ إلى السدود: يمكن لهذه المياه أن تُستخدم لتغذية السدود الجبلية، فتقلل من الملوحة في الآبار والسواحل.

2- الزراعة والغذاء: المزارع الصغيرة يمكن أن تعتمد عليها لري المحاصيل، فتسهم في الأمن الغذائي.

3- المشروعات السياحية والخدمية: يمكن استغلالها في ري المسطحات الخضراء في الحدائق والفنادق والمطارات.

4- الابتكار العماني: هذا المشروع، لو بُني، سيكون علامة فارقة لعُمان في مجال الإدارة الذكية للمياه، ومثالًا على الإبداع الوطني الخالص.

وأخيرًا.. إنها دعوة عاجلة لإعادة النظر في الثروة المائية المهدورة التي بين أيدينا. ليس المطلوب اختراعًا مُعقدًا، بل تنظيم بسيط لشبكات قائمة، وتوجيه نظرة مختلفة إلى ما كنَّا نراه دون قيمة تذكر. ولنعلم أنَّ مياه المكيّفات ليست مشكلة، بل حلّ. إنها هدية مناخنا الحار الرطب، وإذا أحسنا استغلالها، سنكون قد خطونا خطوة عملية كبيرة نحو أمننا المائي والغذائي، وحققنا تميّزًا عمانيًا يُشار إليه بالبنان.

الأكثر قراءة