د. هبة العطار **
الأحلام لا تنطفئ لأنها بعيدة، بل لأننا نحكم عليها بالعزلة داخلنا. فما يقتلها ليس ضيق الطريق؛ بل غياب الفعل الذي يمنحها شرعية العيش، فالحلم لا يحتاج إلى انفجار عظيم ليُولد، يكفيه فعل صغير يربطه بالواقع، كخطوة تُمارس، أو كلمة تُقال، أو إرادة تُقاوم الصمت والركود وتنقله خارجنا إلى حيِّز الواقع.
ترك الحلم بلا فعل هو تسليمه للأوهام وللتسرب. والوهم يختلف عن الحلم في أنه يعيش خارج جسدنا، صورة بلا دم، بينما الحلم يتنفس فينا ويطالبك بإشراكه في الحياة في نسيج يومك وفى عزم إرادتك الحيوية للحياة.
ما إن نعطيه رمزا أو أثرا، حتى وإن كان متواضعا، حتى يستعيد حضوره في وعينا ويظل قابلا للنمو.
لكن الزمن يُغيرنا، وما كنا نحلم به ونحن في بداياتنا في أول تنفس للأحلام بخيالنا البكر.. قد لا يناسب ما صرنا إليه بعد التجارب. وهنا تكمن الحكمة من تحولاتنا مع ديناميكية التطور وتقادم مكوناتنا واستبدالها بشكل لا نتوقعه نحن أحيانًا. فعلينا أن نعيد قراءة الحلم من وقت لآخر لا لنلغي جوهره، بل لنُصالحه مع الإنسان الجديد الذي نحمله. فالحلم الذي يتجمد على صورته الأولى يتحول عبئا، أما الذي يُعاد تشكيله يظل نورا يتجدد مع مسار العمر.
أن نفهم الحلم على هذا النحو هو أن نكف عن معاملته كترف معلق، ونراه ككائن وجوده يحتاج إلى رعاية وصدق. هو ليس زينة للذاكرة؛ بل قوة تُعيد ترتيب علاقتنا بالزمن وبأنفسنا وفهمها والوصول لحقيقتها ومكامنها الخفية. حين نُطعمه بالفعل، ونحرسه بالصبر الواعي، ونسمح له أن يتغير معنا، يتحول من ظل مؤجل إلى حقيقة تسير بجانبنا، نور يُضيء لا وهم يستهلكنا ويطفئنا ويشل حركة التجدد بداخلنا.
والفشل في تحقق بعض الأحلام إشعار صريح باستحالتها.. وهنا علينا ألا نُعاند الأقدار فنموت كمدا من نطح الصخر الذي لن يتزحزح.. ونصيحتي لك عزيزي الحالِم: لا تُطارد سرابًا فتموت عطشًا في طرق مليئة بمصادر الارتواء؛ فتحطم حلمك ليس النهاية، بل بداية جديدة في متوالية الحياة التي تُولد من نهايتها بداياتٌ وساحاتٌ بلا جدران تتسع لمزيد من أحلامك المتكاثرة على عتبة التوق لاستمرار الحياة كما تود أن تحياها.
** أستاذة الإعلام بجامعتي سوهاج في مصر والملك عبد العزيز بالسعودية