حمود بن سعيد البطاشي
تظل بلدة سوط القديمة في ولاية دماء والطائيين بمحافظة شمال الشرقية، علامة فارقة بين قرى الولاية لما تمتاز به من مساحة واسعة وإطلالات خلابة تجمع بين البساتين الوارفة وجلال الجبال الشامخة. هذه القرية، التي كانت يومًا مركزًا حيويًا للحياة الاجتماعية والاقتصادية، تقف اليوم على أعتاب مرحلة جديدة من التطوير، لتُصبح نموذجًا حضاريًا وسياحيًا يعكس وجه السلطنة المتجدد.
حينما تُلقي نظرة على تضاريس سوط القديمة، يأسرك التباين الطبيعي الفريد؛ فهي مرتفعة من الشرق والغرب، بينما يتوسطها سهل مستوٍ يمنحها توازنًا عمرانيًا وجماليًا قلّ نظيره. ومع هطول الأمطار، تتحول إلى لوحة فنية تنبض بالحياة، حيث تنسج الطبيعة خيوطها بين الصخور والأودية والبساتين في مشهد يستحق أن يكون وجهة سياحية بارزة.
وقد جاء اختيار بلدة سوط لتكون ضمن أبرز مشاريع التطوير في ولاية دماء والطائيين تأكيدًا لأهمية موقعها الاستراتيجي وقربها من كهف أبي هبان الشهير، ما يمنحها قيمة مضافة كجزء من المنظومة السياحية الطبيعية التي تحتضنها المُحافظة. ويمثل هذا المشروع، الذي يخضع حاليًا للدراسة من قبل مكتب محافظ شمال الشرقية ومكتب والي دماء والطائيين، نقلة نوعية في مسيرة التنمية المحلية، إذ يستهدف تحويل البلدة إلى قرية حضارية مُتكاملة، تُحافظ على أصالتها التاريخية وتستثمر في جمالياتها الطبيعية.
وفي هذا السياق، تُشير المهندسة شيماء الراسبية، التي كُلّفت من قبل محافظ شمال الشرقية بزيارة القرية عدة مرات والوقوف ميدانيًا على أوضاعها العمرانية والطبيعية، إلى أن المشروع في مراحله الدراسية الأولى يسعى إلى وضع تصور متكامل يراعي الحفاظ على الطابع التاريخي للبلدة، مع دمج عناصر حديثة تعزز من قيمتها السياحية والخدمية. وتُضيف أن "القرية تملك مقومات فريدة تؤهلها لتكون إحدى الوجهات السياحية البارزة في شمال الشرقية، ومن شأن تطويرها أن يسهم في تحريك عجلة الاستثمار المحلي وفتح فرص تنموية متعددة لأبناء المنطقة".
ولا يخفى أن نجاح أي مشروع تنموي يعتمد على تكاتف الجهود وتنسيق الأدوار؛ فالمهندسون والفنانون والإداريون يعملون جنبًا إلى جنب مع الجهات الرسمية لتشكيل ملامح هذا المشروع الطموح. وفي المقابل، أظهر أبناء البلدة تجاوبًا كبيرًا وروح تعاون عالية، ليكونوا شركاء حقيقيين في صياغة مستقبل قريتهم. وهذا التفاعل الشعبي يعكس وعيًا جماعيًا بأهمية المشروع، ويُعزز فرص نجاحه واستدامته.
إنَّ ما يُميز مشروع تطوير سوط القديمة أنه لا يقتصر على تحسين البنية الأساسية أو تحديث المرافق فحسب، بل يتجاوز ذلك ليضع أسسًا لتحويلها إلى معلم سياحي وثقافي بارز في ربوع السلطنة؛ فالتنمية هنا ليست مجرد بناء حجر على حجر؛ بل هي بناء هوية متجددة تتكئ على الماضي وتستشرف المستقبل، وهو ما يتماشى مع الرؤية الوطنية العمانية التي تضع الإنسان والمكان في قلب أولوياتها.
وتتضمن الرؤية المستقبلية لتطوير سوط القديمة إنشاء بيوت ضيافة تراثية تستقبل السياح وتتيح لهم تجربة الحياة العمانية الأصيلة، وإعداد مسارات جبلية ومغامرات سياحية لهواة المشي والاستكشاف، وإقامة متنزهات عائلية على أطراف البساتين ومناطق خضراء للترفيه والاستجمام، وتأسيس مراكز ثقافية صغيرة تعرض الموروث الشعبي والفنون التقليدية للمنطقة، وتشجيع الاستثمارات الصغيرة والمتوسطة في الأنشطة السياحية والخدمية.
وفي هذا الإطار، نتوجه بالشكر إلى مكتب محافظ شمال الشرقية ومكتب والي دماء والطائيين، وإلى جميع القائمين على المشروع من مهندسين وفنانين وإداريين، لما يبذلونه من جهد واضح في الدفع بعجلة هذا التطوير قدمًا. كما لا يمكن إغفال الدور المحوري لأهالي سوط، الذين يمثلون العمود الفقري لهذا المشروع الحيوي، بحرصهم على المشاركة الفاعلة ودعمهم المُستمر لكل ما يخدم مصلحة قريتهم وولايتهم ومحافظتهم.
وختامًا.. إنَّ بلدة سوط القديمة تقف اليوم على مشارف تحول تاريخي، لتصبح منارة حضارية وسياحية تضيف بعدًا جديدًا للمشهد التنموي في محافظة شمال الشرقية. ونسأل الله أن نراها قريبًا وقد ارتسمت معالم نهضتها، لتكون شاهدًا على عراقة الماضي، وجمال الحاضر، ورؤية المستقبل.