◄ الرئيسي: الدقم يمكن أن تكون قاطرة للنمو الاقتصادي لكنها تواجه الكثير من التحديات
◄ الهنائي: حجم الاستثمارات في الدقم لا يزال دون المستوى المأمول.. والعنصر البشري سر نجاح جهود التنمية
◄ البلوشي: من حق المجتمع معرفة ما تحقق من وعود التنمية والرؤية المستقبلية للتطوير
◄ الرئيسي: نحتاج إلى مزيد من الشفافية حول الإحصائيات المتعلقة بالمشروع لتعزيز ثقة المجتمع
◄ الطوقي: الدقم تحتاج إلى تنمية بشرية وكثافة سكانية وتمكين المؤسسات الصغيرة والمتوسطة
◄ الزيدي: العائدات الحقيقية من المشروع لا تُلبي التوقعات المجتمعية
◄ البطاشي: الشفافية في النتائج ضرورية لتقييم جدوى المشاريع وانعكاساتها على الاقتصاد الوطني
◄ الرقيشي: تنفيذ المشروع لم يواكب حجم التطلعات ولا مستوى الاحتياج
◄ العبري: مستقبل المشروع مرتبط بقدرة الدولة على تعزيز الاستدامة الاقتصادية
الرؤية- ناصر العبري
يُؤكد عددٌ من الاقتصاديين أنَّ مشروع الدقم الاقتصادي يُعد في صورته الكلية الجامعة، يُعد واحدًا من أهم المشاريع الوطنية الهادفة إلى تحويل المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم إلى مركز صناعي ولوجستي وسياحي متكامل.
وأشاروا- في تصريحات لـ"الرؤية"- إلى أنه على الرغم من الإنجازات المتحققة في تطوير البنية الأساسية واللوجستية وجذب الاستثمارات، إلّا أن المشروع يواجه تحديات مختلفة، وعلى رأسها مقدار النتائج الملموسة والمنعكسة على الاقتصاد الوطني، ومدى قدرتها على توفير فرص العمل المستدامة للكوادر الوطنية.
ويقول الخبير في قضايا الاقتصاد والتنمية علي بن حمدان الرئيسي إن الدقم يمكن أن تكون قاطرة للنمو الاقتصادي في عُمان إلا أن المنطقة تواجه الكثير من التحديات التي تعرقل تحولها إلى محطة عالمية، ومن بين هذه التحديات: البنية الأساسية التي تحتاج إلى تطوير، وأيضا ضعف تمويل المشروعات وضعف التسويق والترويج للمنطقة لجذب المستثمرين، مشددا على ضرورة توظيف التكنولوجيا لتقديم خدمات ذات جودة عالية.
ويتساءل الرئيسي: "هل ما تحقق في الدقم بعد إنفاق مليارات على البنية الأساسية يرضي طموحنا كمواطنين أو كمتابعين للتنمية في عمان، فنحن نفتقد لإحصائيات دقيقة عما يشكله اقتصاد الدقم، وعن نسبة المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي، ولذلك فإن تجربتنا في الدقم تحتاج إلى مراجعة شاملة لمعرفة أين وصلنا وماذا نحتاج، وهذه المراجعة يجب أن تشمل ميناء الدقم والمصفاة ومشاريع الصناعات البتروكيميائية وغيرها من المشاريع هناك، للوقوف على التحديات ووضع الخطط للتطوير.
ويضيف أن الدقم تحتاج إلى قوى عاملة ماهرة ومدربة لضمان سير العمل، ولذلك على المسؤولين في المنطقة الاقتصادية هناك تكثيف جهود التدريب والتأهيل للكوادر الوطنية، مؤكدا ضرورة العمل على ابتكار طرق إدارة حديثة تُسهم في جذب المزيد من المستثمرين المحليين والدوليين للمنطقة.
بدوره، يذكر الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الملك بن عبدالله الهنائي: "كان لي شرف المشاركة في تنفيذ فكرة مشروع الدقم، وهذا المشروع يمثل طبيعة السياسة العمانية المرتكزة على التخطيط السليم والتنفيذ المتسم بالعقلانية، إذ إن المشروع بدأ فكرته في أعقاب الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، ففي ذلك الوقت كانت هناك رؤية لضرورة إنشاء حوض جاف لإصلاح السفن بعدما أصبحت مياه الخليج العربي غير آمنة منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي، وكانت الدقم هي المكان الأنسب لإنشاء الحوض الجاف، وذلك من الناحية الأمنية كونها تقع خارج مضيق هرمز، وكذلك من الناحية الاقتصادية كون الدقم تقع قريبا من خطوط الملاحة البحرية التي تربط شرق وجنوب آسيا بالشرق الأوسط وأوروبا وأفريقيا".
ويوضح: "ولصعوبة قدرة الأحواض الجافة على المنافسة في عالم تكثر فيه اضطرابات التجارة الدولية البحرية، وكذلك صعوبة إقناع أصحاب السفن بالرسو في منطقة كانت نائية وتفتقد إلى كل الخدمات الضرورية للعاملين في قطاع الملاحة، كان لابد من البحث عن شريك أو مدير للمشروع يستطيع اجتذاب أصحاب السفن وخطوط الملاحة وطواقمها لصيانة سفنهم في حوض الدقم، ولذلك تم الاتفاق مع إحدى الشركات الكورية المتخصصة في بناء وإصلاح السفن لكي تقوم ببناء الحوض الجاف وإدارته والترويج له لمدة 5 سنوات، وأثناء البدء في تنفيذ مشروع الحوض الجاف، جاءت فكرة تطوير محافظة الوسطى لأسباب استراتيجية، ولتكون مشمولة بالتنمية التي تشهدها بقية المحافظات العمانية، وبناء على ذلك قررت الحكومة إنشاء ميناء متعدد الأغراض، بما ذلك إنشاء أرصفة تجارية يمكن أن ترسو عليها أكبر السفن التجارية، وإنشاء منطقة حرة تتبع الميناء، واستغرق العمل في إنجاز مشروع الميناء والمنطقة الحرة التابعة له بضع سنوات، وعند الانتهاء منه تم التعاقد مع ميناء أنتويرب البلجيكي ليكون شريكا في إدارة المشروع والترويج للمنطقة الحرة فيه".
ويتابع الهنائي قائلا: "في تلك الأثناء تم توسيع المنطقة الحرة لتشمل منطقة أوسع حول الميناء وسميت بالمنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم، وقد عملت هيئة المنطقة على تطوير البنية الأساسية لها، بما ذلك الطرق والمطار وشبكات الكهرباء والمياه والصرف الصحي، كما جرى إنشاء بعض الأحياء السكنية لخدمة المستثمرين، وقد تمكنت هيئة المناطق الاقتصادية الخاصة من جذب بعض المستثمرين إلى الدقم، إلا أن حجم الاستثمارات القائمة هناك لايزال دون المستوى المأمول".
كما يؤكد أن العنصر البشري هو أهم عنصر في التنمية، سواء في جانب الإنتاج أو في جانب الاستهلاك، مضيفا: "لذلك فإنِّه من المناسب إحياء فكرة تمت مناقشتها خلال السنوات الأولى من بدء تنفيذ المشروع، وهي إنشاء جامعة ذات تخصصات في مجالات الهندسة وعلوم البحار والإدارة، وأن تكون مفتوحة للمواطنين وغيرهم، وإنشاء الجامعات وسيلة مهمة لزيادة النشاط الاقتصادي بفعل زيادة عدد السكان في المنطقة التي تقع فيها الجامعات، حيث سيكون فيها آلاف الطلاب والمدرسين والكوادر الإدارية، وهؤلاء جميعا يحتاجون إلى الكثير من الخدمات، كما أنه من المهم البناء على اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الموقعة بين عمان والصين والعمل على جذب المزيد من الاستثمارات الصينية إلى الدقم، ولعله من المناسب في هذا الصدد إقامة تعاون وثيق مع ميناء جوادر لأسباب تاريخية، ولكونه ميناء يقع ضمن مشروع الممر الاقتصادي الباكستاني الصيني.
وفي السياق، يوضح الكاتب بجريدة الرؤية إسماعيل بن شهاب بن حمد البلوشي أن المجتمع من حقه معرفة ما تحقق من وعود التنمية والازدهار المرتبطة بمشروع ميناء الدقم العملاق، انطلاقا من مبادئ الشفافية لكي يدرك الجميع أين وصل المشروع وما هو المأمول منه في المستقبل، لافتاً إلى أن ميناء الدقم على سبيل المثال لبس مجرد ميناء، بل هو مشروع وطني بحجم طموحات دولة.
ويتساءل البلوشي: "مشروع ميناء الدقم وُصف بأنَّه بوابة كبرى نحو تنويع مصادر الدخل، وموقع متقدّم على خارطة التجارة العالمية، ومركز للخدمات اللوجستية والصناعات الثقيلة، لكن اليوم يتساءل المجتمع بصدق: أين نحن من كل ذلك؟ لقد تلاشت عند المتابع البسيط التفاصيل الدقيقة: كم هي الأموال التي أُنفقت؟ ما هي الأهداف التي تحققت حتى الآن؟ ما هو حجم الاستثمارات الفعلية؟ وماذا بقي من وعود النمو والتشغيل والازدهار المرتبط بهذا المشروع العملاق؟ إننا لا نقول إن ميناء الدقم لم ينجز شيئاً أو لم يقدم مردوداً، بل على العكس، هناك جهود واضحة ومشاريع قائمة، ولكن من حقنا أن نتساءل: ماذا يحدث في ميناء الدقم؟".
ويقول الإعلامي والكاتب الصحفي حمود بن علي الطوقي رئيس تحرير مجلة الواحة، إن مشروع الدقم من أبرز المشاريع الاستراتيجية في سلطنة عُمان، فقد استثمرت الحكومة بشكل كبير في البنية الأساسية من طرق وميناء ومطار ومرافق لوجستية بهدف خلق بيئة استثمارية جاذبة للشركات الأجنبية العملاقة ذات القيمة المضافة للاقتصاد الوطني، مؤكدا: "ما يميز الدقم موقعها الاستراتيجي على بحر العرب وانفتاحها على خطوط الملاحة الدولية، وهو ما يمنحها ميزة تنافسية فريدة بين الموانئ الإقليمية".
ويذكر أنه رغم ما تحقق من إنجازات إلا أن التحدي الأبرز يتمثل في جانب التنمية البشرية؛ إذ لا تزال الدقم بحاجة إلى وجود كثافة سكانية تجعل منها مدينة حقيقية نابضة بالحياة، كما أن الوظائف المتولدة هناك لا تزال محدودة مقارنة بحجم الطموحات والاستثمارات، ولذلك من المهم تشجيع الشركات الأجنبية للتواجد والاستثمار الفعلي، كما أن الجهات المعنية في المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم مطالَبة بالاستفادة من البنية التحتية المكتملة وتعزيزها بإقامة مشاريع نوعية جاذبة، خصوصًا في المجال السياحي، ومن المهم أيضًا تمكين الشركات الصغيرة والمتوسطة لإقامة مشاريع متنوعة في الدقم وتقديم كافة التسهيلات لها، بما يعزز التنويع الاقتصادي ويخلق فرصًا أكبر للمجتمع المحلي".
ويُبيِّن الكاتب الصحفي عصام بن محمود الرئيسي أن ما ينشر عن المشروع يقتصر على الأرقام الإجمالية للاستثمار أو نسب الإنجاز في البنية الأساسية دون أي تفاصيل حول حجم الوظائف المستدامة للعمانيين ونسبة التوطين في المهن الفنية والقيادية، والأثر الفعلي على الاقتصاد المحلي (غير الاستثمارات المعلنة)، وحجم الصادرات والإيرادات السنوية المحققة مقارنة بالتكاليف".
ويلفت إلى أنَّه لاحظ أن اللغة الترويجية للمنطقة هي السائدة في البيانات الصحفية أكثر من التقارير التحليلية النقدية، إلى جانب محدودية الإفصاح للمجتمع المحلي عن كيفية استفادته المباشرة من هذه المشاريع، مبينا: "الشفافية موجودة جزئياً: هناك بيانات، مؤتمرات، وأرقام معلنة بشكل دوري، لكن ليست شفافية كاملة بالمعنى الاقتصادي الصارم، حيث لا تزال بعض المؤشرات الجوهرية مثل العائد الحقيقي على الاقتصاد الوطني، الأثر الاجتماعي، معدل توطين الوظائف غير معروضة بوضوح للرأي العام، وبرأيي لو وُجدت تقارير سنوية شاملة بلغة مبسطة تقارن بين ما أُنجز فعليًا وما كان مخططًا له، ستكون الشفافية أوسع وأكثر إقناعًا، وتُعزز ثقة الناس بالمشروع".
ويقول الكاتب في الشأن الاقتصادي خلفان الطوقي: "الدقم مشروع ضخم جدا ويحتاج إلى جهود مضنية، ويجب ألا ننظر إلى الجانب المادي بل ننظر إلى الجانب الاستراتيجي بعيد المدى أيضًا، وأن نخلق منطقة مصدرة ومنطقة صناعية وسياحية ونخلق كتلة بشرية تكون موجودة، لأنه بدون هذه الكتلة البشرية ستظل الدقم أمام تحد كبير، ولن تتحقق الأهداف المرجوة إلى بوجود فكر شامل".
أما فهد بن راشد الزيدي عضو مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة عُمان بمحافظة الظاهرة، فيرى أنه بعد سنوات من ضخ الأموال في الدقم لايزال الغموض يحيط بالعائدات الحقيقية، مؤكدا: "النجاح لا يُقاس بالشعارات ولا بالاحتفالات الإعلامية بل بالنتائج والتي تتمثل في فرص عمل والصناعات الحقيقية، والتنويع الجاد".
ويضيف: "إن استمرار مشروع بحجم الدقم دون شفافية في نتائجه وآلية واضحة لقياس أثره، يحوّله من استثمار استراتيجي إلى تكلفة باهظة تثقل كاهل الدولة، فالمستقبل لا يُبنى على الوعود وحدها، بل على قدرة المشروع على اجتذاب استثمارات ذات قيمة مضافة تُترجم إلى واقع ملموس في حياة المواطن".
من جهته، يذكر بدر بن ناصر بن مالك البطاشي رائد أعمال، أن مشروع الدقم يعد أحد أعمدة الرؤية الاقتصادية العُمانية الحديثة، بموقعه البحري الفريد ومينائه القادر على أن يكون محطة محورية للتجارة الدولية وسلاسل الإمداد العالمية، إلا أنه ومع مرور السنوات يتعاظم السؤال حول ما تحقق على أرض الواقع وعن العوائد الاقتصادية والاجتماعية والوظائف النوعية التي تستوعب الكفاءات العُمانية".
ويشدد البطاشي على أهمية الشفافية لتقييم جدوى هذا الاستثمار العملاق وقياس انعكاساته على الاقتصاد الوطني، مشيرا إلى أن مستقبل الدقم مرهون بقدرته على استقطاب استثمارات استراتيجية عالية القيمة، وتوطين الصناعات المتقدمة، وتحويله إلى مركز لوجستي وصناعي تنافسي إقليميا ودوليا.
ويقول حسن بن خميس الرقيشي رئيس مجلس إدارة الرقيشي للعقارات: "هذه المنطقة لم تُطرح كمشروع عابر أو فكرة تقليدية، بل جاءت برؤية عميقة تستند إلى الموقع الجغرافي الفريد على بحر العرب، بما يمكّنها من أن تكون مركزًا إقليميًا ودوليًا للتجارة والصناعة واللوجستيات، لكن عند الانتقال من الفكرة إلى أرض الواقع، ظهرت الفجوة بوضوح، وما كُتب على الورق كان عظيمًا، إلا أن التنفيذ لم يواكب حجم التطلعات ولا مستوى الاحتياج، فالبنية الأساسية رغم الجهود الضخمة المبذولة لا تزال بحاجة إلى استكمال وتكامل، والمستثمر العالمي لا يبحث عن الحد الأدنى بل يريد بيئة مكتملة ومتطورة من البنية الأساسية".
ويوضح: "هناك جانب آخر مهم وهو أنسنة المنطقة، فنجاح أي منطقة اقتصادية لا يقاس فقط بالبنية الأساسية الصناعية أو حجم الاستثمارات، بل بقدرتها على أن تكون بيئة جاذبة للإنسان قبل رأس المال، كما أننا نحتاج إلى تدريب وتأهيل أبناء عمان لشغل الوظائف، فوجود الوظائف لا يعني بالضرورة أن العُمانيين يشغلونها، بل إن بعض القطاعات ما زالت تعتمد على الأيدي العاملة الوافدة، إما بسبب عزوف الشباب عن بعض الوظائف الدنيا، أو بسبب نقص الكفاءات المؤهلة في بعض التخصصات، وهنا تبرز أهمية ربط المشروع بسياسات تعليمية وتدريبية طويلة الأمد، تجعل من الدقم مدرسة عملية تُخرّج آلاف الشباب العُمانيين القادرين على المنافسة محليًا وإقليميًا".
وفي السياق، يُؤكد عمر بن حميد العبري عضو سابق في مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة عُمان بمحافظة الظاهرة، أنَّ مشروع الدقم الاستراتيجي يُعد من أكبر الاستثمارات الوطنية، لما يتمتع به من موقع جغرافي مُميز وميناء قادر على دعم التجارة الإقليمية والدولية، إلا أن مستقبل هذا المشروع مرتبط بقدرة الدولة على تعزيز الاستدامة الاقتصادية، ومواصلة تطوير البنية الأساسية ودعم الشراكات مع القطاع الخاص، لضمان أن يظل المشروع محركًا حقيقيًا للتنمية الوطنية.