الفساد الإداري داءٌ يهدد جهود التنمية.. والدخول العادلة وتعزيز المساءلة سبيلان للقضاء على هدر المال العام

 

 

 

محمد بن سلوم: الفساد الإداري يقف عقبة كبيرة أمام العدالة والتنمية في المجتمعات

الغافري: رفع معدل الدخل وتعزيز التحول الرقمي سبيلان للحد من الفساد الإداري

اليعقوبي: التثقيف المجتمعي يُسهم في الحد من آفة الفساد

البلوشي: البيروقراطية المفرطة تفتح الباب أمام استغلال حاجات الناس وانتشار الرشاوي

المسكري: المعركة ضد الفساد تحتاج إلى شراكة حكومية مجتمعية للفوز بها

الزعابي: نحتاج إلى التطوير المستمر لضمان الكفاءة والنزاهة والاستدامة

العبري: التأخر في محاربة الفساد يزرع الإحباط في نفوس المخلصين

 

الرؤية- ناصر العبري

يؤكد عدد من الكتّاب والمواطنين أنه لا يمكن تحقيق النمو المستدام في ظل وجود مظاهر الفساد الإداري في أي مجتمع، لافتين إلى أن مظاهر الفساد متعددة وتحتاج إلى تكثيف الجهود الرسمية والمجتمعية لمحاربتها والقضاء عليها.

ويلفت الكتّاب- في تصريحات لـ"الرؤية"- إلى أن المساءلة والشفافية وتعزيز الرقابة على الأفراد والمؤسسات، من السبل الضرورية للحد من الممارسات السلبية التي تهدر المال العام، وتحرم الكثير من الأفراد من الخدمات المتاحة لهم.

ويؤكد الدكتور محمد بن سلوم الغافري أن الفساد الإداري يقف عقبة كبيرة أمام تحقيق العدالة والتنمية في المجتمعات المختلفة، لافتاً إلى أن من بين صور الفساد الإداري: المحسوبية والوساطة في التعيينات والترقيات، وسوء استغلال الصلاحيات الإدارية وتوظيفها لخدمة ذاتية وتحقيق المصالح الشخصية.

د- محمد بن سلوم الغافري.jpg
 

ويضيف أن الفساد الإداري يحتاج إلى تعاون المجتمع مع المؤسسات لضمان الشفافية والعدالة، إلى جانب سن التشريعات الصارمة لتطبيق العدالة على الجميع دون استثناء، وتعزيز الرقابة والمساءلة على المؤسسات والمسؤولين، ونشر ثقافة النزاهة من خلال التعليم والإعلام لترسيخ قيم الأمانة، وتعزيز التحول الرقمي لتقليل التدخل البشري، وتشجيع الإبلاغ عن أي ممارسات غير قانونية وتوفير الحماية للبلاغات.

ويرى الدكتور هاشل بن سعد الغافري أن الفساد الإداري يتمثل في انتهاك الموظف للقوانين والأنظمة واللوائح والانحراف عن تأدية الواجبات الوظيفية المنوط بها لتحقيق مكاسب شخصية، ضاربا بشرف الوظيفة وأخلاقيات المهنة وقيمها عرض الحائط، حيث يسعى إلى إنجاز مهماته مهمة بأساليب ملتوية؛ موضحا أن أشكال الفساد الإداري متعددة وجميعها تؤدي إلى هدر المال العام، وذلك عبر سوء استخدام السلطة العامة أو ابتزاز الأشخاص لتخليص معاملاتهم مقابل مبالغ مالية، أو قبول رشوة لتمرير معاملات أو تسهيلها خلافاً للقانون، أو الاختلاس، أو العبث بالحقوق المالية للأفراد أو الموظفين، أو نشر أسرار العملاء أو الموظفين، ونشر أسرار المؤسسة.

د- هاشل بن سعد الغافري.jpg
 

كما يلفت إلى أن أسباب الفساد الإداري ترجع إلى غياب الوازع الديني الذي يعين الفرد على محاسبة نفسه، والمحسوبية التي تعطي الأولوية للعلاقات الشخصية على حساب الكفاءة، وتأثير وسائل الإعلام من خلال المسلسلات والأفلام التي قدمت المتنفذين والمختلسين والمحتالين كنماذج بطولية، وازدياد معدل الفقر وانخفاض مستوى دخل الفرد المواطن مع ارتفاع مستوى المعيشة وغلاء الأسعار، والتساهل وعدم الردع في تطبيق القانون بصرامة على المخالفين، وغياب دور السلطة الرابعة (الإعلام) في الكشف عن حالات الفساد والمفسدين، إلى جانب وجود العمالة الأجنبية وتغولها في سوق العمل.

ويقول الغافري: "للتقليل من آثار الفساد الإداري، يجب رفع معدل دخل الفرد المواطن بما يمكنه من العيش بمستوى يليق بكرامته، تحويل جميع المعاملات إلكترونياً في جميع المؤسسات الحكومية والخاصة مما يقلل من نسبة الابتزاز والرشوة، وتكثيف دور جهاز الرقابة بصورة أكثر فاعلية لاسيما أنه يمتلك أكثر من 45 دائرة تخصصية بسطت نفوذها في كل محافظات السلطنة وولاياتها، ومنح الإعلام الحرية والحصانة الكاملة للإفصاح عن الفساد والفاسدين، والإعلان عن قضايا الفساد وأسماء المفسدين من خلال الجهات المعنية بعد ثبوتها قضائيا".

وفي السياق، يلفت الدكتور خليفة بن حارب اليعقوبي إلى أن الفساد الإداري بمثابة آفة مجتمعية تعطي من لا يستحق وتحرم من يستحق، مبينًا أن من نتائج هذه الآفة تسلق بعض الموظفين وتوليهم مناصب لا يستحقونها وتدني الإنتاج في بيئة العمل واستشراء الواسطة والمحسوبية، وخلق بيئة تتسم بعدم المبالاة والتهرب من المهام والمسؤوليات.

د- خليفة حارب اليعقوبي.jpg
 

وشدد اليعقوبي على ضرورة سن القوانين الرادعة وتمكين المستحقين للوظائف العليا وتفعيل الرقابة على الأفراد والمؤسسات في بيئة العمل وتثقيف المجتمع وتوعيته وفتح منافذ للإبلاغ عن الفساد وحماية المبلغين.

ويؤكد الدكتور يوسف بن عوض البلوشي أن الفساد الإداري من أخطر التحديات التي تواجه المؤسسات والمجتمعات الحديثة، إذ يقوّض أسس العدالة ويعيق مسيرة التنمية ويضعف ثقة الأفراد في الأنظمة التي يفترض أن تقوم على النزاهة والشفافية، مشيرا إلى من أسباب الفساد البيروقراطية المفرطة التي تعقّد الإجراءات وتفتح الباب أمام استغلال حاجات الناس، إلى جانب تفشي المحاباة التي تقدِّم المصالح الشخصية والعلاقات على حساب الكفاءة والعدالة.

د - يوسف البلوشي.jpg
 

ويتابع قائلا: "الرشوة واحدة من أوضح مظاهر الفساد؛ حيث إنَّ الحصول على المناقصة الفلانية لابد أن يكون بمقابل مباشر أو غير مباشر، وإنجاز المعاملة الفلانية تحتاج إلى جهد إضافي من موظف لا يمكنه إنجازه إلا بمقابل؛ إذ تتحول الخدمات العامة إلى سلعة تشترى وتباع، ولا يتوقف الأمر عند ذلك؛ بل يمتد ليشمل التسيب وضعف الرقابة، ما يؤدي إلى غياب المساءلة وانخفاض مستوى الإنتاجية وانتشار الإهمال في أداء المهام الوظيفية، إضافة إلى مشكلة الفساد في التعيينات الوظيفية وهذه مشكلة كبيرة حيث يتم التعيين والترقيات في السلم الوظيفي لأشخاص ليسوا أهلا له، وهذه الأعراض ليست مجرد سلوكيات منحرفة، وإنما مؤشرات تنذر بخطر يهدد استقرار المؤسسات ويكبح فرص التطوير والنهوض".

بدوره، يقول الكاتب عباس المسكري: "الفساد أشبه بسوسة النخيل التي تنخر الجذور بصمت، فتسقط الشجرة فجأة رغم مظهرها القوي، وهو كالسّرطان لا علاج له إلا بالاستئصال المبكر، قبل أن يضعف الدولة ويهز العدالة ويزعزع ثقة المواطن بمؤسساته".

عباس المسكري.jpg
 

ويبيّن: "من الحكمة أن ندرك أن مواجهة الفساد معركة لا تكسبها الحكومات وحدها، بل تحتاج إلى شراكة المجتمع بكل مكوناته، فالأجهزة الرقابية قد تبذل جهودًا كبيرة وتحقق خطوات إصلاحية واضحة، لكن النتيجة لن تكتمل دون وعي المواطن ومشاركته الفاعلة، وعلى كل فرد أن يرفض الصمت أو التواطؤ، سواء في تقديم هدايا لتسهيل المعاملات، أو غض الطرف عن تقصير موظف، أو دعم أعمال مشبوهة، والفساد يبدأ من ضعف الضمير وتراجع الوازع الديني، وهو قبل كل شيء معصية لله وخيانة للوطن. لذلك، فإن مكافحته واجب ديني وأخلاقي ووطني، الموظف النزيه مسؤول عن الإبلاغ عن أي تجاوز، وعدم طاعة المسؤول الفاسد، لأن الأمانة تفرض مواجهة الانحراف فورًا قبل أن يتمدد ويجد أعوانًا".

ويذكر المسكري: "المطلوب اليوم حسمٌ في القرارات، وتكاتف في الجهود، حتى تبقى الدولة قوية مستقرة، ويبنى مجتمع نزيه يحمي نفسه من السقوط، ومن أهم الحلول لمكافحة الفساد: الإرادة السياسية الحازمة التي لا تستثني أحدًا، مع تمكين الأجهزة الرقابية والقضائية من العمل باستقلالية تامة، إلى جانب الشفافية في إعلان الموازنات والمشاريع وتقارير الأداء، وربط المسؤوليات بالمحاسبة العلنية وتقوية الهيئات الرقابية وتزويدها بالكفاءات والإمكانات اللازمة لكشف التجاوزات دون قيود، وتطبيق العقوبات الرادعة بحق الفاسدين، بما يشمل الغرامات والمصادرة والعزل، بعيدًا عن أي حصانة أو استثناء. إشراك المجتمع عبر قنوات آمنة للإبلاغ عن الفساد، وتشجيع الإعلام على دوره في كشف الحقائق بدل التستر عليها، وإصلاح بيئة العمل الإداري من خلال تبسيط الإجراءات والاعتماد على التحول الرقمي للحد من فرص الرشوة والمحسوبية، وتعزيز القيم الدينية والأخلاقية، وربط النزاهة بالواجب الديني والوطني والإنساني، عبر التعليم والإعلام وخطاب التوعية"، مؤكدا أن الفساد معركة وعي قبل أن يكون معركة قوانين، ولا سبيل لحسمها إلا بتكاتف الدولة والمجتمع معًا، لأن النزاهة هي الضمانة الحقيقية لبقاء الأوطان قوية وعادلة.

من جهته، يوضح الكاتب أحمد بن خلفان الزعابي أن هناك العديد من الخطوات التي يمكن اتخاذها لمحاربة الفساد، ومن بينها: قيام المؤسسات بحوكمة عملياتها وإجراءاتها والالتزام بالتحديث والتطوير المستمر لضمان الكفاءة والنزاهة والاستدامة، وتعزيز دور الرقابة وذلك بمنحها صلاحيات أوسع سواء الرقابة الداخلية أو الخارجية، وأتمتة العمليات وتجويد الخدمات وترسيخ المبادئ والقيم كالنزاهة والعدالة والشفافية".

احمد الزعابي_1.jpg
 

ويقول الكاتب محمد بن زاهر بن حمود العبري إن الفساد الإداري ليس مجرد خطأ عابر أو ممارسة فردية معزولة، بل هو مرض صامت يتسلل إلى جسد المؤسسات فينهكها ويمتص حيويتها ويصادر حق المجتمع في التنمية والعدالة، لافتا إلى أنه في حال انتشار هذا المرض في المجتمع فإنه يزرع الإحباط في نفوس المخلصين ويشجع غيرهم على السير في نفس الطريق باعتباره السبيل الأسرع للترقي، لتتحول المؤسسة من أداة لخدمة المجتمع إلى أداة لخدمة المنتفعين منها.

الكاتب محمد بن زاهر العبري.jpg
 

ويشدد على ضرورة محاربة هذا الداء عبر ترسيخ الشفافية وتطبيق مبدأ المساءلة بلا استثناء وبناء ثقافة النزاهة عبر التربية والتعليم والإعلام وتمكين الأجهزة الرقابية من الاستقلالية التامة ومنحها الصلاحيات التي تجعلها سلطة حقيقية لا مجرد ديكور إداري".

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة