خالد بن سالم الغساني
الضربة الإسرائيلية لدولة قطر، وضعتها في موقع جديد ومعقد، فالدولة التي اعتادت أن تلعب دور الوسيط وجدت نفسها فجأة أمام استحقاقات سياسية وأمنية تتجاوز حدودها. الكيان الصهيوني، الذي يتحرك بلا قيود قانونية أو دبلوماسية وتحت المظلة الأمريكية، لم يكتفِ بمطاردة خصومه في غزة ولبنان وإيران، بل نقل المواجهة إلى دولة تستضيف أكبر القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة، في عدوان بدا وكأنه إحراج مباشر لواشنطن قبل أن يكون تحديًا للدوحة، حتى وإن كانت الولايات المتحدة الأمريكية على علم مسبق، بل ومن نسّق وأعطى شارة البدء للتنفيذ.
قطر وبهدوئها الدبلوماسي المعهود، بدت حريصة على عدم الانجرار إلى تصعيد غير محسوب، لكنها في الوقت نفسه لوّحت بأن الخطوط الحمراء قد تم تجاوزها، فتصريح معالي الشيخ محمد بن عبدالرحمن رئيس مجلس الوزراء، ووزير الخارجية، حول مراجعة شبكة التحالفات شكل إشارة واضحة في هذا الاتجاه، غير أن جوهر هذا التصريح كما أعتقد لا يعكس إنقلابًا استراتيجيًا، بقدر ما يمثل ورقة ضغط على واشنطن، فالعلاقة القطرية – الأمريكية قائمة على أسس اقتصادية وأمنية تجعل القطيعة الكاملة مستحيلة، لكن هذه العلاقة لم تعد، في نظر الدوحة، كافية لمواجهة تغوّل صهيوني متسارع يهدد استقرار المنطقة.
خيارات قطر تبقى محدودة، فهي لا تستطيع فك الارتباط مع واشنطن ولا الدخول في مواجهة مفتوحة مع الكيان الصهيوني، لكنها تستطيع رفع كلفة سياساته عبر تكثيف دعمها السياسي والإعلامي للقضية الفلسطينية، والتقارب مع قوى إقليمية ودولية مثل تركيا وإيران وروسيا والصين. مثل هذه الخطوات قد لا تغيّر قواعد اللعبة فورًا، لكنها كافية لإرباك الحسابات الأمريكية – الصهيونية.
النقطة الأكثر حساسية تبقى مرتبطة بعلاقة قطر مع حركة حماس، فإبعاد قادة الحركة أو التضييق عليهم قد يكون أقصى ما يمكن أن تقدم عليه الدوحة لإعادة توازن علاقتها مع واشنطن والكيان الصهيوني معًا، لكن مثل هذه الخطوة ستعني خسارة ورقة نفوذ أساسية جعلت قطر لاعبًا لا غنى عنه في الملف الفلسطيني.
قطر اليوم تواجه ثلاثة ضغوط متزامنة: عدوانًا صهيونيًا متصاعدًا، وتململًا أمريكيًا من انفتاحها على خصوم واشنطن، وغضبًا عربيًا شعبيًا من أي تهاون في مواجهة الجرائم، وبين هذه الضغوط تحاول المناورة عبر خطاب علني أكثر تشددًا، وقنوات خلفية تبقى مفتوحة، وخيارات بديلة يجري التلويح بها دون الاندفاع نحوها، غير أن الضربة الأخيرة أظهرت أن مساحة المناورة تضيق، وأن الجمع بين دور الوسيط المحايد ودور الحليف الاستراتيجي لواشنطن لم يعد ممكنًا بالدرجة ذاتها.
يبقى السؤال: هل ستكتفي الدوحة بإرسال الرسائل والإنذارات، أم أنها ستبحث فعلًا عن صياغة توازن جديد بعدما تبيّن أن واشنطن هي من أطلق يد الكيان الصهيوني لبلوغ هذا المستوى من التصعيد؟
وقبل الختام، أعتقد انه من المناسب القول إن ما حدث في الدوحة قد يتكرر غدًا في أي عاصمة عربية، دون استثناء أو تمييز، إن اقتضت مصالح الكيان الصهيوني ذلك، فهو فوق كل الحلفاء وأهم من كل الحلفاء. ومن يكتفي اليوم بالشجب والاستنكار لما جرى في قطر، سيعيد غدًا شجبه واستنكاره عند دمار عاصمة عربية أخرى، فلابد من ان يكون هنالك موقف قوي وحاسم وغير معتاد خاصة من دول الخليج العربية، التي يجمعها مجلس التعاون ومصيرها واحد واي عدوان على احداها هو عدوان على الكل، ومن ثم الدول العربية والاسلامية كافة.
فهل يكون لنا هذا العدوان الصهيوني- الأمريكي الخسيس عظة وعبرة وموقف؟ أم أن التاريخ بالنسبة لنا مجرد دروس للحفظ، لا للعبرة والوقاية واتخاذ القرار؟!