ترامب وجائزة نوبل.. طموح لا ينسجم مع الواقع

 

 

 

علي بن حبيب اللواتي

 

لطالما أبدى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رغبته في الفوز بجائزة نوبل للسلام، بل وصرّح مرارًا بأنه "يستحقها أكثر من كثيرين حصلوا عليها". 

لكن واقع سياساته الخارجية يُظهر تناقضًا صارخًا بين هذا الطموح النبيل وسلوك قائم على العقوبات، الضغط، الصدام، والدعم اللامحدود لدولة احتلال الأراضي الفلسطينية والعربية.

لنتعرف أولا على معايير للحصول جائزة نوبل للسلام وبعدها نذكر بإسهاب إنجازات ترامب.

تُمنح الجائزة لمن يحقق إنجازات في مجالات:

1. إحلال السلام أو إنهاء الحروب. 

2. تعزيز التفاهم والتعاون الدولي بين الدول. 

3. الدفاع عن حقوق الإنسان. 

4. حل النزاعات عبر السبل الدبلوماسية والسلمية.

أعلاه ملخص للمعايير الدولية، والآن لنجرَد سجل ترامب الدولي لنرى خلال سيرته العملية هل تنطبق عليه المعايير الدولية، أم توضح بجلاء كيف صنع ونشر الأزمات والصدامات دوليا:

1. فنزويلا:

- فرض عقوبات شاملة على مشاريع النفط وتجميد بنوكها. 

- دعم انقلاب فاشل، وصرّح مؤخرًا بتأييده لاستخدام القوة ضدها.

2. إيران:

- انسحب من الاتفاق النووي وأعاد فرض عقوبات قاسية أثرت باقتصادها بدرجة كبيرة. 

- اغتيال القيادات المدنية والعسكرية لإيران، تلك الاغتيالات التي كادت أن تشعل حربًا إقليمية، لولا حكمة حائك السجادة الإيرانية وصبره الشديد.

- شن هجوم جوي عسكري لمساندة عدوان الكيان الصهيوني على دولة ذات سيادة.

3. ألمانيا:

- ضغط عليها لزيادة الإنفاق الدفاعي، وفرض عقوبات على خط غاز "نورد ستريم 2". 

- وصفها بأنها الدولة "الراكبة المجانية" في حلف الناتو.

4. فرنسا والاتحاد الأوروبي:

- هدد بحرب تجارية ضدهم بسبب تعرفة الضرائب على البضائع الأمريكية الي تدخل الاتحاد الأوربي ومختلف أنواع التكنولوجيا. 

- فرض رسوماً جمركية على سلع أوروبية وانتقد الاتحاد كمنافس اقتصادي لأمريكا.

5. الصين:

- شن حرباً تجارية شرسة عليها، فرض ضرائب جمركية عالية، واتّهمها بنشر كورونا.

-  الرغبة في الاستيلاء عن طريق شراء شركات التسويق والتكنولوجيا الصينية من خلال وسائل الترهيب وغلق السوق الأمريكية بوجهها.

- أثار التوتر في تايوان ودعمها بمختلف الأشكال (المالي والعسكري) لانفصالهما عن التراب الصيني.

6. كوبا:

- أوقف سياسة الانفتاح معها، وشدد الحصار عليها. 

- وأعاد تصنيفها "دولة راعية للإرهاب".

7. كوريا الشمالية:

- رغم اللقاءات العلنية المتكررة وما صاحبها من حملة إعلامية للتحفيز والتقارب من خلال سياسة (العصا والجزرة)، لم تتحقق نتائج حقيقية على أرض الواقع. 

- بعدها عاد للتصعيد والتهديدات لاحقًا من دون جزرة.

8. فلسطين والاحتلال الصهيوني:

- انحاز بشكل تام للاحتلال من خلال الدعم المالي وتوفير الأسلحة الفتاكة والصواريخ والطائرات والمعدات الحربية له وتكريس أقماره الصناعية وقدراته التقنية والذكاء الصناعي خدمة للاحتلال.

-  نقل السفارة الأمريكية رسميا للقدس المحتلة، وذلك اعترافا منه بأنها عاصمة الاحتلال.

-  تجاهل الجرائم في غزة ورفض حل الدولتين.

-  كذلك أصدر اعترافا رسميا بضم الجولان السوري للاحتلال. 

9. المكسيك:

- اتّهمها بإرسال مجرمين وبنى جدارًا حدوديًا معها. 

- هدد بفرض رسوم عليها إذا لم تتعاون أمنيًا.

10. تركيا:

- فرض عليها عقوبات على خلفية أزمة القس الأمريكي. 

- أوقف صفقة طائرات F-35 بسبب شراء أنقرة منظومة الدفاع الأرضي S-400 الروسية.

11. كندا:

- دخل في نزاع معها حول اتفاقيات التجارة بينهما، وهاجم رئيس وزرائها علنًا، وصرح بضم كندا وهي دولة مستقلة ذات سيادة الى أمريكا كولاية رقم 52، مما أثار الشعب الكندي من تلك التصريحات الغريبة. 

- فرض رسوم جمركية رغم التحالف الطويل بينهما.

12. اليابان وكوريا الجنوبية:

- طالب بمضاعفة مساهماتهم المالية للوجود العسكري الأمريكي على أراضيهما. 

- هدد بالانسحاب منهما إذا لم تلبِ طلباته، مما هز ثقة الشركاء الآسيويين.

13. العراق:

- نفذ عمليات الاغتيالات على أراضيها دون تنسيق مسبق مع الحكومة العراقية مما أثار قلق بغداد من تصرفاته. 

- هدد بتنفيذ حزمة من العقوبات القاسية إذا استمر طلب خروج القوات الأمريكية رغم طلب البرلمان العراقي من حكومته تطبيق القرار البرلماني بإخراج القوات الأمريكية وهو قرار قانوني لدولة ذات سيادة.

وأخيرا وليس آخرا في مسلسل سيرة ترامب.. قدم عرضا لقيادة المقاومة الفلسطينية وطلب منها أن يتم الرد على عرضه دون تأخير، وعلى ضوء ذلك توجهت هذه القيادة للاجتماع في مقرها الكائن في منطقة الدوحة عاصمة دولة قطر الشقيقة، ذات السيادة، فتم  شن غارات فجائية بطيران الاحتلال على المقر بهدف اغتيال هذه القيادة.

وقع نفس المشهد سابقًا حين قدم عرضًا لإيران بوقف فكرة الاعتداء العسكري عليها الذي كان يروج له بوسائل الإعلام لفترة، ملخصه أن عليها تجميد قدراتها النووية (للعلم انها سلمية) أو أن تواجه عدوانًا عسكريًا. لم تمض أكثر من ثلاثة أيام تقريباً لدراسة عرضه، وفجأة شُن عدوان عسكري لتدمير قدراتها واغتيال الصف الأول لقياداتها. ويتوجب بجلاء من تفاصيل تعاقب الأحداث التي استمرت 12 يومًا من العدوان المشترك بأنه كانت هناك خطة محكمة لتدبير انقلاب داخلي فيها يتزامن ذلك مع الهجوم العسكري المُفاجئ عليها. 

إنَّ التطلع لبسط السلام لا يتم بالقوة؛ بل بالتفاهم المشترك وبالوصول إلى اتفاقيات يكون الجميع فيها رابحاً على الأقل، فتُبنى من خلالها الثقة المتبادلة.

ومن عرض السيرة الفعلية لترامب وسعيه للحصول على جائزة نوبل، سنجد أنها تصطدم بقوة بحقائق توجهاته الفعلية البعيدة عن معاييرها؛ فمن يعمق الأزمات، يفرض الحصار، يراوغ بعروضه، ويدبر الفخاخ لمفاوضيه، ويُهدد بالحروب، ويدعم الاحتلال في فلسطين لا يمكنه أن يُقنع العالم بأنه رسول سلام للعالم.

الحصول على جائزة نوبل لا يتم عبر التغريدات، بل عبر سياسات حكيمة متوازنة تبني الجسور وليس رفع الجدران والتهديد والوعيد ومُمارسة الغطرسة بالقوة.

فهل بعد ذلك سيقوم العالم بمنحه الجائزة مثلما تم منح إسحاق رابين وشمعون بيريز عام 1994 وهما رئيس الدولة ورئيس الوزراء بالكيان المحتل آنذاك، وهما بالوثائق مجرما حرب ارتكبا المجازر في فلسطين المُحتلة.

فهل سينال ترامب الجائزة بقلب الحقائق أعلاه أيضا؟!

إنه عالم تتغلب فيه القوة والإعلام المزيف على السلام الحقيقي.

الأكثر قراءة