غنية الحكمانية
إنها عُمان، صدرها رحب للجميع، ويداها مبسوطتان بالسّعة والقَبول والاحتواء، تأوي تحت ظلّ جناحيها كل أطياف الجنسيات ومختلف الثقافات، دون تحيّز أو تمييز. يتشاركون النقير والقطمير مع أبناء المجتمع، مع دفع رسوم زهيدة لإجراء معاملاتهم في الدوائر والمؤسسات. يرفلون في ثوبٍ من النّعيم والتعايش والأمان.
إننا لا شكّ في غبطةٍ لهم ممّا هم فيه وإلى ما آلوا إليه. لكن هل أعلنت وزارة التربية والتعليم جاهزيتها في استقبال هذا التوافد؟! هل وضعت سقفًا محددًا لاستيعاب تهافت هذه الأعداد الكبيرة من الجنسيات العربية وغير العربية على مدارسها الحكومية الصّباحية والمسائية؟! هل تداركتْ تأثير ذلك الاكتظاظ على المرافق والخِدمات التعليمية للمدرسة؟! وتأثير ذلك الازدحام على مستوى وأداء وتحصيل الطلبة وتنمية معارفهم وتلبية احتياجاتهم الذهنية والمهارية؟! هل عالجت التحديات التي تواجه البيئة المدرسية، الحجر الأساس قبل الشروع في احتواء هذا النفير العام إليها؟!
إنّ الإشكال ليس في ضمّ هذه الأفواج من الطلبة غير العُمانيين، ولكن في جاهزية المدارس على استيعاب هذا الاكتظاظ ومدى تأثيره على عناصر وموارد وتركيبة البيئة التعليمية، وفي كيفية تحقيق تلك البيئة المحفّزة والمَناخ الآمن للتعلم، تلك البيئة التي تنشد وزارة التربية والتعليم تطوير جودة نواتج التعلم فيها برؤيتها المستقبلية المرسومة، وتناشد الكوادر التعليمية تحقيق متطلبات تلك الرؤية وتنفيذ مهام تلك الرسالة المراد تحقيق أهدافها؛ لأجل حصول الطلبة على مزيدٍ من فائق الاهتمام والإلمام، والحصول على مخرجات تعليمية أفضل. ولكن في ظلّ التخبُّط في اتخاذ القرارات وتنفيذ الإجراءات، حتمًا سيختل التوازن في عناصر العملية التعليمية المرجوّ تحقيق فعاليتها ورفع مستواها وتحسين أدائها.
ففي ظل عدم وجود شواغر في تلك المدرسة التي يشملها الرافد، يضطر ولي الأمر إلى الانسحاب خالي الوفاض إلى مدرسة حكومية أخرى لا تخدم روافد منطقته، ويتكفل برسوم النقل فوق طاقته والتزاماته المالية؛ ليضمن حصول ابنه أو ابنته على مقعد دراسي وحقّه في التعليم. وذلك للأعداد القادمة غير المحسوبة والتي تم التبرع بمقاعدها وأصبحت شاغرة للطلبة من الجنسيات الأخرى.
فمن الطبيعي أن يولّد هذا العدد المتزايد ضغطًا يفوق قدرة التحمّل على المرافق والخدمات والأنظمة والمعلم والطالب، إلى جانب البنية التحتية غير المؤهلة للتعلم في بعض المدارس، على الرغم من الصّيانة الدورية لها، لكن لا يصلح العطّار ما أفسده الدهر؛ فمحاولة إعادة التحسين والتجميل سنوات عدّة، والإصلاحات المرمّمة إضاعة للجهد والوقت والمال المبذول.
وما يشكّله هذا الضغط من ازدحام الطلبة في الصفوف بما لا يقل عن 40 طالبًا في الصفّ الدراسي الواحد. والنتيجة بالمقابل ضعف في الاستيعاب وبطء في الفهم وفقد لروح التفاعل والنشاط. إضافة إلى تكدّس في الحافلة المدرسية، فهي بدورها تئنّ من حِمل الثقل عليها لتجاوز العدد المسموح، دون النظر إلى اعتبارات الأمن والسلامة، رغم تحديد عدد الحمولة من الطلبة في رخصة المركبة بحسب حجم كل حافلة مدرسية، وحينها يتحمل سائق الحافلة مسؤولية أي خطر ما. إضافة إلى الضغط الأكبر على المعلم وحجم المهام والتكليفات والأنصبة الملقاة على عاتقه، دون قدرته على الإدارة الصّفية، أو اكتشاف قدرات الطلبة ومواهبهم وتطويرها، وتنمية الاتجاهات وترسيخ القيم وغرس روح الانتماء، وتوزيع الصّنوف المناسبة للفروق الفردية المتعددة، أو تطبيق استراتيجيات تدريسية خاصة تليق بمستويات عقلياتهم ومهاراتهم وتخدم احتياجاتهم المختلفة.
ورغم التشارك والتتبع للبيانات بين وزارتَي الصّحة والتربية في حصر إحصائية عدد مواليد كل عام؛ لعمل مخطط التوسعة المستقبلية وتهيئة بيئة مدرسية تضمّ أعدادهم لاحقًا، وتُعِدّ العدّة لجاهزيتهم بكل ما يشمل من متعلقات الموارد البشرية والمادية. ولكن تأتي أعوام تُغاث فيها المدارس وتستنجد الخَلاص من الازدحام والاكتفاء، وليس مَن مجيب! سوى: هل من مزيد!
وأخيرًا وليس آخرًا.. فكما عاهدتنا وزارة التربية على استعراض الخطط والمؤشرات والإحصائيات بداية كل عام، أن يتم أيضًا استعراض عدد المواليد المقرر التحاقهم بالسّلك المدرسي في ذلك العام، مع عدد الفصول الدراسية المتاحة لهم في أروقة المدارس. علاوة على تشكيل فِرق عمل لمتابعة وتقييم سير وأداء المدارس وفقًا للمعايير المطلوبة، وإجراء تقييم دوري لجودة المبنى المدرسي ومرافقه، وتحديد سقف معيّن لاستيعاب الطلبة وعدم تجاوزه، إلى مدارس أخرى غير مشمولة بالروافد. ثم يتم على إثر ذلك اتخاذ القرارات فيما يخدم صالح العملية التعليمية ويرفع من كفاءتها ومؤشرات نجاحها وبما يضمن حقّ الجميع في التعليم وحقّهم في بيئة مدرسية ملائمة ومناسبة وجاذبة.