قصف الدوحة.. انتهاك للسيادة الخليجية؟!

 

 

 

د. محمد بن عوض المشيخي **

 

تُعربد العصابة الصهيونية الجاثمة على أرض فلسطين المحتلة شرقًا وغربًا في بلاد العرب وتعيث فسادًا في كل مكان؛ بالقتل والتدمير للعواصم العربية والإسلامية من غزة إلى طهران وصنعاء مرورًا بدمشق وبيروت ووصولًا إلى الدوحة، هذه العاصمة التي مَنَّ اللهُ عليها بقيادة حكيمة وشجاعة وجريئة ممثلة بالشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر؛ حيث تنامى دور هذه الدولة الصغيرة بمساحتها التي تقدر 11 ألف كيلو متر مربع فقط، لكنها كبيرة بحضورها العالمي وتأثيرها السياسي في الساحة الدولية، خاصة في حل النزاعات الدولية وعلى وجه الخصوص الوقوف مع الشعب الفلسطيني الذي خذله الجميع خاصة ذوى القربى من الجيران الجنب من الذين تربطهم بفلسطين روابط الدم والدين والثقافة والتاريخ المشترك؛ حيث تُحكم إسرائيل الحصار والتجويع وتنفذ إبادة جماعية وتسعى للتهجير القسري للشعب الفلسطيني من غزة الصامدة بإرادة الله وإيمان المجاهدين بعدالة قضيتهم.

وعلى الرغم من تخلي العالم بأسره عن الشعب الفلسطيني، باستثناء بعض الدول العربية التي لا يتجاوز دورها الجانب المعنوي الذي لم يكن على مستوى طموحات الأمة وشعوبها الأحرار. صحيح كان دور قطر المتمثل في قناة الجزيرة الإنجليزية التي جندت أعدادًا كبيرة من الإعلاميين في قطاع غزة والضفة الغربية لكشف المستور من جرائم الجيش الإسرائيلي للعالم؛ إذ إن الإعلام الصهيوني يتحدث عن تسونامي عالمي ضد القتل والتجويع الذي يشاهد يوميًا عبر شبكة الجزيرة بقنواتها المتعددة، مما ترتب على ذلك ظهور صحوة عالمية لمساندة غزة وكذلك على الجانب السياسي المتمثل في الحكومات؛ إذ تعتزم معظم الدول الأوروبية وأستراليا وكندا الاعتراف الرسمي بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف في هذا الشهر في مقر الأمم المتحدة بنيويورك. كما إنَّ قناة الجزيرة الناطقة باللغة العربية قد استحوذت على معظم الجمهور العربي من المحيط إلى الخليج وكذلك الناطقين باللغة العربية عبر العالم، وقد قدمت شبكة الجزيرة عشرات الشهداء من الصحفيين والمصورين في غزة خلال العامين الماضيين، وهذا بالفعل الذي يزعج الحكومة المتطرفة في إسرائيل التي تحاول أن تُبعد عيون العالم عن جرائمها وساديتها في قتل الأطفال والنساء والشيوخ؛ فقد منعت الصحافة العالمية من الوصول إلى قطاع غزة.       

لا شك أننا نعيش زمناً استثنائياً يستهدف فيه أعداء الأمة السيادة الوطنية، ويستبيح فيها من نعتبرهم أصدقاء وحُماة، أجمل ما نملك من المبادئ والقيم والأعراض؛ بل حتى الأمن الوطني والاستقرار الخارجي؛ إذ أصبح ذلك في مهب الريح؛ فلا القواعد الأجنبية التي أقامتها قطر على أراضيها تحميها، أو حتى تحرك ساكنًا عند تعرضها للاستهداف من الكيان الغادر الذي يستخدم طائرات (F16) الأمريكية والقنابل الأمريكية وأخواتها؛ بل من المؤكد أنَّ قاعدة العيديد التي تعد واحدة من أكبر القواعد الأمريكية في العالم وترصد كل شاردة وواردة في الأجواء، قد تجاهلت دورها في حماية أمن قطر. والأهم من ذلك أنَّ قائد المنطقة الوسطى قد اعترف بإبلاغه بالهجوم الإسرائيلي قبل وقوعه بفترة. ولكن الأمريكان قد غضوا الطرف عن هذا العدوان البربري الصهيوني واعتبروا ذلك لا يدخل في إطار اختصاصاتهم تجاه الدولة المُضيفة للقاعدة.

ومن المؤسف حقًا أن الدول الخليجية الغنية كقطر والسعودية والإمارات الأكثر إنفاقًا على شراء السلاح في العالم؛ إذ أصبحت هذه الدول تفتخر بترساناتها من الأسلحة الهجومية والدفاعية وذلك لاستخدامها وقت الضيق في مثل هذه الحالات، ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن فوجود تلك المعدات وقفت عاجزة عن أداء وظيفتها في توفير الحماية. والسؤال المطروح الآن: أين هي الدفاعات الجوية لهذه الدول التي سبق أن تم استهدافها قبل بضع سنوات، واليوم استهداف العمق القطري دون إطلاق رصاصة واحدة؟

يبدو لي أن الدفاعات الجوية في دول الخليج لا تستطيع مواجهة- بل وحتى اكتشاف الطائرات المهاجمة- لكون تلك الدفاعات أمريكية الصنع، وقد صُمِّمت بمستوى أدنى وغير قادرة على التصدي لطائرات (F35) التي تنفرد إسرائيل بامتلاكها في المنطقة العربية، وممنوعة حتى على الدول الصديقة للكيان الصهيوني من المطبعين.

وفي الختام، منظومة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية اليوم في اختبار صعب حول الدفاع عن سيادتها، وذلك لتعرض واحدة من أهم عواصمها وهي الدوحة للاعتداء الغاشم الذي أدى إلى استهداف كوكبة من الشهداء من حماس وكذلك رجل أمن قطري. من هنا يجب أن يدرك الجميع أن التواجد الأجنبي على أرضي الخليج لا يمكن بأي من الأحوال أن يحقق الأمن لدول الخليج؛ بل إن تكاتف وتعاون أبناء الخليج هو صمام الأمن لهذه الدول التي تتعرض للأطماع الأجنبية منذ عقود، وقد عجزت بعض حكومات الخليج عن توفير الأمن لشعوبها بسبب جنوحها للغرباء والاستعانة بالدول الغربية للحماية الوهمية التي لن تتحقق في يوم ما؛ فالبديل المنطقي الدفاع المشترك للشعوب الخليجية عن أمنها القومي واستقرارها الاجتماعي؛ فالاتحاد الصادق بين دول المجلس هو المخرج الوحيد من التدخل الأجنبي، فالحكومة الأمريكية لا يمكن الركون إليها أو الوثوق في نواياها الخبيثة؛ وكما قيل سابقًا "المتغطي بأمريكا عريان"، ومهما قدمت هذه الدول لترامب التريليونات من الدولارات كما حصل في زيارته الماضية للدوحة، فتلك الأموال الخليجية كفيلة بحماية الخليج وتحقيق التنمية المستدامة من المحيط إلى الخليج.

** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري

الأكثر قراءة