السلام هو المستهدف

 

محمد بن رامس الرواس

كيف يدفع الشرفاء ثمن مواقفهم العظيمة أمام المجتمع الدولي؟
في مشهدٍ يقطر مرارةً وظلمًا، نجد أن الشرفاء الذين يمدّون أيديهم بالسلام والعدل، هم أنفسهم الذين يتعرضون للطعنات من خلفهم، وكأن رسالة البغي والعنوان تتكرر وتقول إن من يقف إلى جانب الحق عليه أن يكون مستعدًا لدفع الثمن غاليًا.
لقد أظهرت الدوحة، عبر سنوات، أنها ليست مجرد عاصمة عربية؛ بل منصة عالمية تتحرك بفاعلية في مسارات الوساطة، تسعى لتقريب وجهات النظر المتناقضة، وتعمل كجسرٍ بين القوى المتخاصمة، جسر سلام دولي بلا منازع؛ فهي الدولة الكبيرة تأثيرًا في مفاوضات السلام الدولي، الدولة التي آمنت بأن صوت العقل يمكن أن يسمع وسط ضجيج المدافع، ولقد نجحت مساعيها من أميركا الجنوبية إلى أفريقيا وإلى أفغانستان.
إن إسرائيل، في لحظة غطرستها، اختارت أن تضرب الدوحة بالصواريخ، في وقت يعرف فيه العالم كله أن قطر لم تكن يومًا طرفًا مشاركًا في الحرب، بل طرفًا وسيطًا وشريفًا للسلام الدولي.
المفارقة المؤلمة أن من يقف اليوم في صف المظلومين، ويستثمر رصيده السياسي والإنساني في السعي لوقف نزيف الدماء، يتحول فجأة إلى هدفٍ للبطش، لذا فإن المجتمع الدولي أمام اختبار جديد ليثبت أن صمته الطويل لم يعد يجدي نفعًا؛ بل يجب أن تصبح ردّة فعله أفعالًا ومقاطعة لهذا الكيان الإسرائيلي المارق.
لقد دفعت قطر ثمن بسالتها في أن تسعى بشكل مكثف مع الوسطاء لإنهاء الحرب بغزة، ودفعت ثمن إيمانها بأن الحوار يمكن أن يكون أقوى من الدبابات، وأن كلمة صادقة يمكن أن تُطفئ نارًا أوقدها الكره والحقد. إن القصف الإسرائيلي السافر على مدينة الدوحة الآمنة المحبوبة من الجميع وحليفة الجميع عار جديد على المجتمع الصامت وازدواجية المعايير التي يمارسها. ففي الوقت الذي تُدعى فيه قطر لرعاية مفاوضات، ويشاد بمواقفها في المنابر الرسمية، تواجه العدوان حين تختار أن تكون صوت الضمير الإنساني.
هل هذا هو الثمن الذي يجب أن يدفعه الشرفاء حين يقفون في وجه الحروب والأزمات والخلافات ويقولون كلمة الحق في زمن الخنوع؟ لا لذنبٍ ارتكبوه، بل لشرفٍ إنساني سامٍ تمسكوا به؟
سيذكر التاريخ أن قطر وقيادتها الرشيدة، رغم كل التهديدات، اختارت أن تبقى على موقفها بيتًا يفتح أبوابه لكل محاولات السلام، وسيذكر أيضًا أن الصواريخ لم تُسقط رسالتها، بل رفعتها إلى مصاف المواقف العظيمة التي لا تنكسر بالعدوان، ولا تُسكتها لغة النار.
حين تُقصف مدينة مثل الدوحة تسعى إلى السلام، فذلك لا يعني تهرّبها من مواقفها المشرفة؛ بل يعني أن صوتها أوجع المعتدي، وأن رسالتها اخترقت جدار الظلم. إن الشرفاء دائمًا يدفعون الثمن، لكن مواقفهم هي التي تكتب مستقبل الأمم، والدوحة اليوم ليست مجرد جغرافيا استُهدفت، بل رمزٌ للصوت الذي يعلو فوق هدير الحرب، مهما كان الثمن.

الأكثر قراءة