جابر حسين العماني **
تقدم حمد لخطبة حميدة، وتمت الموافقة بين الطرفين، إلا أن حميدة اشترطت عدم منعها من ممارسة العمل في حال حصولها على وظيفة، وهو الشرط الذي وافق عليه حمد بلا تردد، عاش الزوجان في سعادة وهناء لمدة عام كامل، وعند إتمام العام الأول من زواجهما، حصلت حميدة على وظيفة العمر وبدأت العمل بحماس كبير، لكن لانشغالها وانشغال زوجها، قل تواصلهما وبدأ الفتور يتسلل لحياتهما الزوجية ولم تعد حميدة قادرة على تلبية شؤون زوجها كما كانت في السنة الأولى من زواجهما.
نعيش في زمن تتسابق فيه شؤون الحياة الاجتماعية والأسرية، وتزداد فيه الكثير من الالتزامات المهنية بشكل ملحوظ ومتسارع، وهو ما أضعف الحياة المشتركة بين الزوجين، وأثر سلبا على جودة العلاقة الزوجية المقدسة.
لا نريد هنا أن نُقلِّل من عمل المرأة فالمرأة قرينة الرجل، وينبغي أن يكون لها دورها الفاعل في خدمة وطنها ومجتمعها، ولكن لا بُد من تنظيم الحياة الزوجية بين البيت والعمل بما يتوافق مع نجاح الأسرة واستقرارها، حتى لا تكون أسرة تعيسة لا تفقه واقعها ومسؤولياتها.
ينبغي أن يكون عمل الزوجين من أنجح الوسائل التي تسهم في خدمة الوطن وتنمية اقتصاده، إلا أن عدم اختيار نوع العمل أو تنظيمه بالشكل السليم قد يؤدي بطبيعة الحال إلى ضعف التواصل العاطفي والجسدي بين الزوجين.
هناك الكثير من العوامل المؤثرة التي قد تؤثر سلباً على حياة الزوجين العاملين والتي منها:
- أولًا: تأثير مدة ساعات العمل على إنتاجية الأسرة، خصوصا إذا كان عمل الزوج في الفترة الصباحية والزوجة في الفترة المسائية أو العكس، فذلك يؤثر على لقائهما الحميمي، وتنشئة الأبناء.
- ثانيًا: ضغط العمل له تأثير نفسي كبير على الشريكين، مما يجعلهما متنافرين أحيانا وغير مستقرين في حياتهما الزوجية.
- ثالثًا: عدم القيام بالمهام المنزلية بالشكل المطلوب، مما يخلق حالة من عدم التوازن الأسري خصوصا عند العودة إلى المنزل ولقاء الأسرة.
- رابعًا: الإفراط في استخدام الأجهزة الإلكترونية بحكم منعها في العمل والسماح بها في الأسرة، مما يؤثر سلباً في ضعف الحوار بين الزوجين وبقية أفراد الأسرة.
- خامسًا: شعور أحد الزوجين بالإهمال وعدم الارتياح من الآخر، مما يخلق أجواء من الخلافات الزوجية، والتي تصل أحيانا إلى الانفصال العاطفي.
إنها تحديات صعبة قد تثقل كاهل الزوجين العاملين بسبب ضغوطات الحياة وطبيعة العمل، ولكن على الزوجين العمل على ايجاد وابتكار الحلول المناسبة التي تقربهما من بعضهما تحت سقف واحد مهما اشتدت تلك الظروف وصعوبتها في الحياة.
ومن المهم هنا التطرق إلى بعض الحلول والعلاجات المناسبة التي هي كفيلة في حد ذاتها بتخفيف الضغوط التي يمر بها الزوجين في بيئة العمل وهي كالآتي:
- أولًا: من المهم جدا تنظيم الوقت واستغلاله بحكمة وذكاء، ويكون ذلك بتنظيم اللقاءات الودية بين الزوجين بشكل يومي أو أسبوعي، والهدف من ذلك هو قضاء أوقات ممتعة وشيقة بين الشريكين، مثل تنظيم رحلة خاصة بينهما في نهاية كل أسبوع أو اللقاء على العشاء أو الغداء، وتناول الطعام معا، قال نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم: (وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُؤْجَرُ فِي رَفْعِ اللُّقْمَةِ إلَى فِي امْرَأَتِهِ).
- ثانيًا: ضرورة تحديد وقت مخصص للشريكين العاملين للاستمتاع ببعضهما البعض بعيدا عن أجواء الأسرة والأصدقاء، ولو مرة واحدة في الأسبوع. ورد عن حفيد الرسالة المحمدية الإمام جعفر الصادق: (لِيَتَهَيَّأْ أَحَدُكُمْ لِزَوْجَتِهِ كَمَا يُحِبُّ أَنْ تَتَهَيَّأَ لَهُ).
- ثالثًا: التواصل وعدم الانقطاع، وذلك باستغلال وسائل التواصل الاجتماعي والاهتمام بالمكالمات والرسائل بين الزوجين بهدف البقاء على تواصل عاطفي مليء بالمودة والرحمة.
- رابعًا: على الزوجين العاملين تقاسم الأدوار المنزلية في إدارة شؤون المنزل بما يحقق العدالة ويخفف التوتر بينهما ويشعرهما بالشراكة الحقيقية، مما يجنب حياتهما الإرهاق أو الإهمال. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (مَا مِنِ اِمْرَأَةٍ رَفَعَتْ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا شَيْئًا مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى مَوْضِعٍ تُرِيدُ بِهِ صَلاَحًا إِلاَّ نَظَرَ اَللَّهُ إِلَيْهَا، وَمَنْ نَظَرَ اَللَّهُ إِلَيْهِ لَمْ يُعَذِّبْهُ).
- خامسًا: لا بُد أن يُدرك كل من الزوجين العاملين أن كل طرف منهما قد يمر بفترة عمل مرهقة ومجهدة، لذا عليهما أن يقدرا ذلك ويهتما بالاحتواء المتبادل بينهما بدلا من العتب والنقد والتجريح.
وأخيرًا.. إنَّ الحياة الزوجية بتفاصيلها الدقيقة هي بحاجة ماسة إلى الرحمة والمودة، مهما كانت قساوتها وصعوبتها، ويبقى الزوجان الناجحان هما من يستطيعان تذليل تلك الصعاب وتحويلها إلى بيئة مليئة بالحب والتعاون والاهتمام.
** عضو الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء