علي بن حبيب اللواتي
بتاريخ 31 أغسطس 2025 انطلقت قافلة الصمود الدولية من ميناء برشلونة الأسباني في خطوة غير مسبوقة لكسر الحصار المفروض على قطاع غزة والمطالبة بإنهاء الحرب، وتُعد هذه المرة الأولى التي يشارك فيها متضامنون عرب وخليجيون بشكل واضح، إلى جانب مشاركين من مختلف الجنسيات الأوروبية والعالمية، وستلتحق بالقافلة سفن من الوطن العربي، وعدة سفن ستلتحق بقافلة الصمود من قارة إفريقيا لدول عربية وأيضا واحدة تمثل الخليج العربي.
هذا التطور يضع الإحتلال الإسرائيلي والمجتمع الدولي أمام مفترق طرق حاسم، من خلال ثلاثة مسارات رئيسية محتملة، لكل منها تداعيات إستراتيجية وإنسانية واسعة.
المسار الأول: كسر الحصار ونجاح القافلة:
في هذا السيناريو الإيجابي، ستصل القافلة إلى شواطئ غزة دون أي اعتراض إسرائيلي، ويتم تسليم المساعدات الإنسانية من غذاء ودواء واحتياجات طِبيَّة لأهل غزة المحاصرين، في مشهد رمزي وإنساني عالمي.
والنتائج المحتملة لذلك تتمثل في كسر رمزي وجزئي للحصار البحري والبري، وكسب تعاطف عالمي واسع، وتقوية التحركات الشعبية الداعمة لفلسطين، وتعزيز العزلة الأخلاقية لدولة الإحتلال دوليًا، ودفع المجتمع الدولي لاتخاذ خطوات جديدة إضافية لعملية لكسر الحصار بشكل دائم ومستمر.
المسار الثاني: اعتراض القافلة واعتقال المشاركين
في هذا السيناريو، نعتقد أن من المتوقع أن يعترض جيش الإحتلال الإسرائيلي القافلة ويعتقل جميع المشاركين، خصوصًا الخليجيين والعرب الذين أفادت تقارير باحتمال مشاركتهم، للمرة الأولى، ليأخذونهم أسرى لديهم.
وقد يقود هذا التصرف إلى إشعال أزمة دبلوماسية بين دولة الاحتلال والدول المشاركين أفرادها في القافلة، خصوصًا دول الخليج، وتصعيد من مستوى التضامن الشعبي والإعلامي العالمي مع القافلة.
وقد يستخدم الاحتلال المعتقلين لديه كورقة ضغط للمساومة على سير الحرب في غزة. كما من المتوقع أن ترفض المقاومة في غزة أي نوع من المساومة على حساب المدنيين والمتضامنين مع شعب غزة. ومن المحتمل تدخل مؤسسات أممية ومنظمات حقوقية للمطالبة بالإفراج عن المشاركين في القافلة الصمود الدولية، وأخيرًا تحفيز الدول لاتخاذ خطوات جادة ضد الاحتلال لاعتدائه على جهود العمل الإنساني الدولي.
المسار الثالث: فرط عقد التطبيع وكشف زيف السلام
إذا تم الاعتداء على القافلة واعتقال المشاركين ومن ضمنهم مواطنين خليجيين وعرب، فإن ذلك سيكشف التناقض الواضح في سياسة التطبيع العربية مع الاحتلال، وسيفضح زيف "السلام الإبراهيمي".
ولذلك من المؤكد أن صورة الاحتلال التي تروّج لها بأنه "شريك سلام بالمنطقة" ستهتز، وستزداد موجة الغضب الشعبي الخليجي والعربي لتطالب بوقف اتفاقيات التطبيع، كما ستتسع الحملات الإعلامية الخليجية والعربية لتكشف كلفة التطبيع أمام شعوبها. وذلك السلوك الأرعن من الاحتلال سيكون وقودًا لتقوية محور المقاومة سياسيًا ومعنويًا؛ فيتم إعادة تعريف العلاقة مع الكيان كـ"عدو محتل" وليس كـ"شريك اقتصادي وشريك سلام" بالمنطقة على المستوى الشعبي والرسمي.
وهناك سيناريو مكمل سيتطور مع الأيام، وذلك بتفعيل القرار رقم 377 للأمم المتحدة. ومع تصاعد الغضب العالمي، قد تطالب شعوب ودول العالم بتفعيل القرار رقم 377 للجمعية العامة للأمم المتحدة، الذي يُطالب بفرض حصار دبلوماسي واقتصادي خانق وفعّال على الدول التي تنتهك القوانين الدولية ولا تلتزم بحقوق الإنسان، كما حدث مع جنوب أفريقيا سابقًا مما أدى إلى تغيُّر الحكم فيها.
ومن المحتمل تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة على فرض إجراءات اقتصادية مشددة وعزل دبلوماسيي دولة الاحتلال، وانسحاب شركات كبرى واستثمارات من دولة الاحتلال. إلى جانب فرض قيود على السفر إليها، وتجميد أصولها أينما كانت.
وكل ذلك سيحقق انتصارًا أخلاقيًا جديدًا لحركة المقاطعة ضد الكيان التي لن تتدخر جهدًا لنشر المقاطعة ومتابعة تطبيقها بكل دقة.
وعليه.. قافلة الصمود هي أكثر من مجرد مساعدات رمزية؛ بل اختبار علني لمواقف الحكومات، واختبار عملي لتحرك شعبي أخلاقي يُعيد تعريف ماهية الصراع مع المحتل، وفي حالة نجاحها يعني ذلك بداية جديدة لكسر الحصار، أما فشلها أو اعتراضها قد يكون شرارة لإعادة تشكيل الوعي العربي والدولي تجاه الاحتلال البغيض، وفضح زيف طريق السلام، وفتح الباب أمام فرض العزلة الدولية على الكيان المحتل.
الشعوب ستقود التغيير، والضمير العالمي سيترقب إلى أين تتجه البوصلة؟ فهل تكسر القافلة الحصار أم ينكسر عقد وهم التطبيع بالمنطقة، وتبدأ فصول العزلة الدولية للاحتلال؟