مسقط- الرؤية
يستعد العداء المخضرم حمد بن محمد الحارثي لخوض تحدٍّ فريد في أعالي جبال الهيمالايا، عبر مشاركته المرتقبة في سباق الجري الجبلي “ألترا طريق الحرير” (Silk Route Ultra)، الذي يُقام في منطقة لداخ شمال جمهورية الهند.
ويُعد هذا السباق الجبلي الأعلى من نوعه على مستوى العالم؛ إذ تمتد مسافته إلى 122 كيلومترًا، تجتاز مرتفعات شاهقة تصل إلى 5400 متر فوق سطح البحر، وسط بيئة مناخية قاسية تتداخل فيها قلة الأوكسجين، وانخفاض درجات الحرارة، والانحدارات الصخرية الممتدة.
ويغادر الحارثي سلطنة عُمان في الثامن والعشرين من أغسطس الجاري، متوجهًا إلى موقع السباق بوقت كافٍ قبل انطلاقته في الحادي عشر من سبتمبر؛ وذلك لضمان التكيّف الفسيولوجي مع الارتفاعات الشاهقة، والاستعداد الذهني والبدني الكامل لخوض هذا الاستحقاق الرياضي الكبير. وتعد مرحلة التهيئة المسبقة من العناصر الأساسية التي يعتمد عليها العداؤون في مثل هذه البيئات، لما لها من تأثير مباشر على الأداء والتحمل في المسافات الطويلة.
ويمثل سباق “ألترا طريق الحرير” محطة أخرى في مسيرة الحارثي في رياضة الجري الجبلي، واختبارًا جديدًا لعزيمة العدّاء وجاهزيته في بيئة تتطلب الاعتماد الكامل على الذات، دون أي دعم من فرق مساعدة. وتُعد هذه العودة للمشاركة في سباق في الهيمالايا إضافة أخرى لمسيرته الحافلة بالمشاركات الدولية النوعية، حيث سبق له أن أتم بنجاح سباق تحدي خاردونغ لا في لداخ العام الماضي، مؤكدًا قدرته على التكيف مع أقسى البيئات الجغرافية وأكثرها تطرفًا. كما استكمل في وقت سابق من الشهر الجاري سباقًا جبليًا في منطقة تشونغلي الصينية، أتم خلاله مسافة 100 كيلومتر عبر مسارات تتقاطع مع مواقع أولمبية شتوية، مثبِتًا بذلك تنوعه الجغرافي واستعداده الذهني للتعامل مع اختلافات التضاريس والمناخ حول العالم.
وعبّر الحارثي عن تطلعاته لهذه المشاركة قائلًا: "هذا السباق يحمل بالنسبة لي أبعادًا تتجاوز الوصول إلى خط النهاية. أنا لا أجري فقط من أجل التوقيت؛ بل لأجل الرحلة بكل ما فيها من تحدٍ وتجربة. الجري الجبلي رافقني لسنوات، لأنه يجمع بين الرياضة والتأمل، بين القدرة الجسدية والرغبة في التواصل مع الطبيعة. كل جبل أركضه يمنحني نظرة جديدة، ويقرّبني من ثقافات العالم، ويعلّمني كيف يكون الصعود إنجازًا داخليًا قبل أن يكون رقمًا زمنيًا".
وبرصيد متنامٍ من الإنجازات، رسّخ الحارثي اسمه كأحد أبرز العدّائين العرب في رياضة الجري الجبلي؛ حيث شارك في سباقات عالمية مرموقة مثل UTMB Mont-Blanc في قلب جبال الألب الفرنسية، إلى جانب رحلاته داخل سلطنة عُمان عبر محافظاتها المتعددة، متنقلًا بين السهول والسواحل والجبال والصحراء، جامعًا بين الإنجاز الرياضي والارتباط العميق بالأرض. وكان من أبرز محطاته أيضًا صعوده وهبوطه قمة كليمنجارو – أعلى قمة في القارة الإفريقية – في زمن قياسي بلغ خمس عشرة ساعة وعشرين دقيقة.
ولا تقتصر دلالات مشاركة الحارثي في “ألترا طريق الحرير” على الطابع التنافسي فقط، بل تعكس هذه الخطوة إيمانًا عميقًا برسالة الرياضة، ودورها في بناء الجسور بين الشعوب، وتحفيز المجتمعات على تجاوز التحديات الجسدية والنفسية، والانفتاح على ثقافات جديدة من خلال ممارسة رياضية تجمع بين التحدي والتواضع أمام عظمة الجبل.
وهذه المشاركة تأتي في وقت تشهد فيه رياضة الجري الجبلي نموًا متسارعًا على مستوى العالم، حيث باتت تشكل نمط حياة للعديد من الرياضيين، مدفوعة بالرغبة في العودة إلى الطبيعة واستكشاف الذات بعيدًا عن الضوضاء الإسمنتية. وفي هذا السياق، تبرز سلطنة عُمان كإحدى الوجهات المتقدمة على مستوى الإقليم، بما تملكه من تنوع بيئي وجغرافي مميز، خاصة في سلسلة جبال الحجر، التي تحتضن مسارات طبيعية غنية، وتضاريس تتدرج بين الأودية والمرتفعات والقرى الجبلية.
وفي هذا الإطار، تسهم السباقات المقامة محليًا، مثل سباق همم للجري الجبلي، في ترسيخ الحضور العُماني على خارطة السباقات الدولية، حيث استقطبت نسخة العام الماضي أكثر من ألفي عداء من أكثر من ستين دولة، ما يجعل من السلطنة وجهة واعدة لعشاق الجري الجبلي، ويؤكد أن الجبل العُماني لم يعد مجرد تضاريس، بل أصبح ميدانًا حيًا للتحدي، والتواصل، وصناعة الحكايات الملهمة.