محاربة الفساد

 

 

 

جابر بن حسين العُماني

jaber.alomani14@gmail.com

 

 

يعد الفساد شبحًا مخيفًا، ومرضًا خطيرًا، يفتك بحرمة الوطن وقدسيته وعظمته، ويضعف مؤسساته وهيبته، وهو قادر على حرمان الناس من أبسط حقوقهم كالحرية والخصوصية والمساواة والعدالة، هدفه أن يبقى المواطن جاهلًا فقيرًا محرومًا من التطور والازدهار والنجاح، خاصة عندما يتشبث بمفاصل المجتمع وثقافته وأنظمته المختلفة ومُسيطرًا على الممتلكات العامة والخاصة ويفرض هيمنته عليها.

إن من أهم الواجبات الإنسانية والوطنية والاجتماعية، محاربة المفسدين، والتخلص منهم، ومنعهم من الانتشار بين أفراد المجتمع، حتى لا يتمكنوا من التأثير على مؤسسات الدولة والمجتمع، وهو واجب وطني وإنساني يقع على عاتق الجميع، ولا يمكن تأخيره أو السكوت عنه كما قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِين﴾.

إن الوطن الذي لا يتسم بالحزم في قوانينه الرادعة لمحاربة الفساد والفاسدين، من الطبيعي سيصبح فريسة سائغة للفساد وأعوانه، وستتفشى فيه الجرائم بشتى أنواعها، من رشوة وتملق ومحسوبية وواسطة، وغياب الحكمة والعقلانية والشفافية والحوار، وحينها سيشعر المواطن أن العدالة غابت عن وطنه، وأن الجهود التي يبذلها من أجل الوطن أصبحت لا تساوي شيئًا أمام نفوذ الفساد وجرائمه وأعوانه.

بحسب تقرير الشفافية الدولية يتبين أن الفساد لا زال مُتجذرًا في مختلف دول منطقة الشرق الأوسط ولم تشهد المنطقة العربية سوى تقدمًا يسيرًا في السنوات الـ12 الماضية، لذا من أهم الواجبات التي يجب أن يتحملها الجميع هو أن يسأل كل مواطن نفسه كيف نواجه الفساد ونحد من انتشاره في مجتمعاتنا العربية والإسلامية؟

والجواب على ذلك: الدولة هي المسؤولة الأولى في مكافحة الفساد ويليها المجتمع بأسره، وبالتالي هي مسؤولية جسيمة يجب أن يتحملها الجميع، وعلى الدولة أن تسن القوانين الصارمة والرادعة التي تضمن حفظ النظام والمصلحة العامة من شر الفساد وجرائمه.

ومن الضروري الاستفادة من وسائل الإعلام، في كشف قضايا الفساد في مؤسسات الدولة وفضحها، من خلال استغلال الإعلام الاستغلال الأمثل لإظهار الحقائق ودعم الشفافية.

ينبغي على المواطن أن يكون مساهمًا حقيقيًا في الحرب ضد الفساد، وعليه ألا يلتزم الصمت، وأن يتحمل مسؤوليته في إبلاغ الجهات المعنية عن أي تجاوزات يراها تنطوي على الفساد في المجتمع، كما يجب على المدارس والجامعات والمساجد أن تتحمل مسؤوليتها الكاملة في غرس قيم النزاهة والفضيلة لا سيما في نفوس الجيل الحديث حتى يتمكن المجتمع من فهم الفساد والابتعاد عنه، وكما جاء في ديوان العصر المملوك لابن الوردي:

يا قومَنا إنَّ الفسادَ قدْ غلَبْ

وخافتِ الأعيانُ سوءَ المنقلبْ

ومَنْ نشأَ بين الحمير والجلبْ

كيفَ يكونُ قاضيًا على حلبْ.

اليوم لا يمكن صناعة وطن قوي متماسك بأهله ودولته إلا بتطهير مؤسساته من الفساد والمفسدين، وجعل النزاهة تسري في دماء كل من يخدم الوطن، حتى نتمكن من الحصول على التنمية والعدالة والكرامة، ولا بُد أن ندرك جيدًا أن أموال الوطن والمواطنين لا بُد أن تُصرف في مواضعها، وأن المنصب لا يُعطى إلّا لأهله، من أصحاب الخبرة والكفاءة والحكمة، حتى تتحقق العدالة الاجتماعية وتنجح الدولة بمؤسساتها وقوانينها وقيمها بعقول أبنائها وأمانتهم واخلاصهم ووفائهم في خدمة وطنهم بعيدًا عن الفساد وشره وإجرامه.

على المجتمع أن يعلم أن الفساد ليس قدرًا محتومًا لا يمكن القضاء عليه؛ بل العكس تماما يمكن القضاء على الفساد، ولكن بشرطها وشروطها، ومن أهم تلك الشروط: تفعيل دور مؤسسات الدولة والمشاركة المجتمعية الفاعلة، فإذا تعاون المجتمع مع الدولة في القضاء على الفساد، وطبقت القوانين والتشريعات بشكل صارم، فسينتهي الفساد المالي المتمثل في الاختلاسات والرشاوى والفساد الإداري المتمثل في المحسوبيات والوساطات.

أخيرًا.. نسأل الله تعالى أن يحفظ أوطاننا من شر الفساد والمفسدين وأن يوفقنا جميعا لحماية بلداننا العربية والإسلامية من ظلمهم، وأن يمكننا من منعهم من ابتلاع أوطاننا لتضل دائمًا شامخة في حفظ الله ورعايته.

** عضو الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء

الأكثر قراءة