سعيد بن سالم البادي
يُعد الزواج من الخارج ظاهرة اجتماعية في العديد من المُجتمعات، مدفوعة بعوامل مُختلفة مثل العولمة والهجرة، بجانب عوامل اجتماعية واقتصادية أخرى، وعلى الرغم من أنَّ هذا النوع من الزواج قد يحمل في طياته فرصًا للتعرف والاطلاع على ثقافات جديدة يحملها طرفا الزواج إضافة إلى تكوين أسرة متنوعة الأعراق إلا أنَّه غالبًا ما يثير بعض المخاوف من تأثيره على القيم الاجتماعية الأصيلة التي جبل عليها أبناء المجتمع الذين يتجهون للزواج من الخارج.
وهنا تتشابك التحديات بين الحفاظ على الهوية الثقافية والقيم الاجتماعية وبين الانفتاح على الآخر، مما يترك أثرًا عميقًا على الفرد والأسرة والمجتمع ككل. ولا يُنكر أنَّ للزواج من الخارج تأثيرات إيجابية بجانب التأثيرات التي تنطوي على جوانب سلبية فقد يكون أحد أبرز التأثيرات الإيجابية هو تعزيز قيم التسامح والانفتاح الثقافي؛ فعندما يتزوج شخص من ثقافة مُختلفة، يضطر إلى فهم وتقدير عادات وتقاليد شريكه، مما يكسر الحواجز النمطية ويُعزز من تقبل الاختلاف، وهذا التفاعل الثقافي داخل الأسرة يُسهم في تربية نشء أكثر وعيًا بالعالم وتنوعه، ويمنحه رؤية أوسع للحياة ويمكن أن يصبح هؤلاء النشء جسرًا بين الثقافتين، قادرين على التكيف في بيئات ثقافية مختلفة وامتلاك مهارات تواصل فريدة.
أما التأثيرات التي تنطوي على جوانب سلبية والتي يجب أن تُأخذ في الحسبان عند التفيكر في الزواج من الخارج مهما كانت الجنسية التي نختارها، ربما لا نشعر بهذه التأثيرات أو نلامسها في البداية أو على المدى المنظور وإنما ستظهر جلية بعد أن يكتمل الجيل الجديد الذي ينشأ عن ذلك الزواج؛ فربما تظهر ثقافة جديدة لدى هذا الجيل تختلف عن ثقافة المجتمع الذي يعيش فيه الأبوان أو على الأقل هناك خليط من الثقافتين اللتين يحملهما الأبوان.
ومن تلك التأثيرات على مستوى الزوجين قد ينشأ صراع بينهما حول قضايا أساسية كتربية الأبناء واللغة والدين، كما يمكن أن يجد أحد الزوجين نفسه مضطرًا للتنازل عن بعض قيمه أو تقاليده لإيجاد أرضية مشتركة بينه وبين الشريك الآخر، وهذا قد يؤدي إلى شعور بشيء من الضياع أو فقدان الهوية فينشأ نوع من صراع الهوية والقيم.
أما على مستوى الأبناء، فقد يعانون من صراع الهوية الثقافية أيضًا؛ حيث يجدون أنفسهم عالقين بين ثقافتين مختلفتين لا ينتمون تمامًا إلى أي منهما وقد يشعرون بالارتباك حول هويتهم الحقيقية، خاصة إذا لم يتمكن الأبوان من توفير بيئة متوازنة تجمع بين الثقافتين بشكل متناغم وبالتالي فإنَّ هذا الصراع قد يؤثرعلى ثقتهم بأنفسهم وقدرتهم على الاندماج الاجتماعي فيجدون صعوبة في الاندماج الكامل في المجتمع. وهنا يمكن أن تظهر قضايا اجتماعية أخرى مثل التَّحيز والتهميش بسبب الاختلافات الثقافية أو المعتقدات الدينية وهذا بدوره ينعكس على الأسرة كلها والمُجتمع بأسره سلبيًا.
ويمكن أن تمتد تأثيرات الزواج من الخارج إلى أبعد من التأثير على الأسرة الصغيرة، لا سيما في المستقبل؛ ففي بعض الحالات قد يؤدي هذا النوع من الزواج إلى تغير في البنية الاجتماعية للمجتمع الأصلي، فمع تزايد أعداد الزيجات من الخارج قد تضعف بعض العادات والتقاليد والأعراف المحلية بصورة تدريجية غير محسوسة؛ مما يثير مخاوف بشأن تآكل الهوية الوطنية والثقافية التي هي أهم عمود لثبات وتماسك المجتمع فلربما يظهر جيل جديد أقل ارتباطًا بجذوره، وأكثر تأثرًا بالثقافات الأجنبية.
الزواج من الخارج هو قضية مُعقدة ومُتعددة الأبعاد، له ما له وعليه ما عليه؛ فهو حينما يفتح آفاقًا جديدة ويشجع على الانفتاح الثقافي، فإنِّه يحمل معه تحديات كبيرة تتعلق بالهوية والقيم الاجتماعية، والنجاح في هذا النوع من الزواج يتطلب وعيًا كبيرًا، وتفهمًا عميقًا للاختلافات، وقدرة على خلق بيئة متوازنة تجمع بين التقاليد المختلفة دون التضحية بالهوية الأصيلة ويبقى التحدي الأكبر هو كيفية الموازنة بين الانفتاح على العالم والحفاظ على القيم التي تشكل جوهر المجتمع.