عبدالعزيز بن حمدان الإسماعيلي**
إنّ من أبرز ما يميّز السياسة العُمانية عبر العقود، هو نهجها الإداري المتزن والبعيد عن ردود الفعل العاطفية أو الانفعالات الآنية، وهو ما يظهر جليًّا في تعاطي السلطنة مع القضية الفلسطينية، وتحديدًا مع التطورات المؤلمة التي يشهدها قطاع غزة. لقد اختارت سلطنة عُمان أن تنحاز للحق الفلسطيني انحيازًا أخلاقيًا وسياسيًا راسخًا، ولكن في إطار دبلوماسي مدروس يُحافظ على مصالح الوطن ويُسهم في تعزيز الاستقرار الإقليمي.
وفي هذا السياق، تتجلى الإدارة الرشيدة للموقف في عدد من النقاط، أولها التعبير الرسمي عن الإدانة ورفض العدوان، وثانيها تسخير القنوات الحكومية للدعم المادي والإنساني من خلال الجمعيات المعتمدة والمؤسسات الموثوقة، وثالثها العمل ضمن الأطر الدولية للمطالبة بحلول عادلة ودائمة.
الشعب العُماني أيضًا لا يقل وعيًا عن قيادته، فقد عبّر دائمًا عن تضامنه مع فلسطين بقلب واحد ولسان واحد، لكنه يدرك في الوقت نفسه أن المواقف العشوائية، وإن كانت بدافع الغضب، قد تُربك المشهد الداخلي وتفتح منافذ لا يُراد لها أن تُفتح.
المظاهرات وإن كانت سلمية، فهي سلاح ذو حدين، خصوصًا في بيئة إقليمية وعالمية مضطربة. وقد أثبتت التجارب أن التعبير المنفلت عن المشاعر -دون تنسيق مع مؤسسات الدولة- قد يُستخدم من أطراف خارجية أو داخلية للإساءة إلى أمن الأوطان واستقرارها، وهو ما يتنافى مع أهداف التضامن ذاته.
لذا، فإن الحفاظ على التوازن بين الدعم الحقيقي لفلسطين، والتمسك بسياسات الدولة ومصالحها الوطنية، هو قمة النضج الإداري والشعبي. فالدولة التي تدير موقفها الخارجي بحكمة، وتُنسّق بين الأصوات الداخلية والخارجية باحتراف، تكون أقدر على الاستمرار في دعم القضايا العادلة دون أن تدفع ثمنًا داخليًا.
إنّ سلطنة عُمان لا تحتاج لإثبات موقفها، فقد سجل التاريخ مواقفها المشرّفة منذ عقود. وما نحتاجه اليوم هو الحفاظ على هذا النهج الحكيم، الذي يُثبت أن الإدارة الواعية هي صمام الأمان للوطن، والطريق الأصدق لنصرة المظلومين.
**باحث دكتوراه في الإدارة العامة والتخطيط الاستراتيجي