حمود بن علي الطوقي**
أثارت تغريدة الصديق عبدالعزيز الغريبي انتباهي، حين نقل عن مستثمر أجنبي يحمل الجنسية البريطانية قراره بفسخ عقد الإيجار والخروج من السوق العماني، بعد أن فُرض عليه تعيين مواطن عماني واحد في شركته، إذ يدعي هذا المستثمر أن هذا القرار غير منصف، وقد يبدو له أن هذا القرار سوف يعرقل تجارته واستثماراته واضعا المبرر بتعين مواطن عماني سببًا مقنعا للانسحاب، لكن في الحقيقة أرى أن هذا القرار يعد بمثابة اختبار بسيط لقياس جدية أي مستثمر أجنبي يختار أن يبدأ عمله في السلطنة.
حقيقة الأمر أن القرار الذي اتخذته وزارة العمل بفرض توظيف عماني واحد في كل سجل تجاري، أثار جدلا واسعا ونقاشا على منصات التواصل، وقد جاء القرار -بحسب تصريحات المسؤولين- في إطار الجهود لمعالجة التشوهات التي أصابت سوق العمل، وتصحيح المسار من أجل تنظيم السوق.
وكمتابعين، نعلم أن قرار الاستثمار الأجنبي رقم ٥٠/ ٢٠١٩ والصادر في يوليو عام ٢٠١٩م، قدم تسهيلات إضافية لاستقطاب رأس المال الأجنبي، ونتج عن هذا القرار تدفق كبير بتأسيس شركات أجنبية بشروط ميسرة. وبرأسمال بدأ بنحو ٣ آلاف ريال عماني، ثم انخفض المبلغ تدريجيا كجزء من الرغبة في استقطاب شركات أجنبية جادة، ومنح مكاتب سند صلاحية تأسيس الشركات الراغبة للاستثمار في السلطنة مستفيدة من الإجراءات الميسرة ومنح أصحاب هذه الشركات بطاقة "المستثمر"، المقيم. مقابل رسوم رمزية. إلا أن الواقع أثبت بعد ذلك أن عددًا كبيرًا ممن حصلوا على هذه البطاقة، لم يكونوا مستثمرين بالمعنى الدقيق، بل سعوا فقط للحصول على إقامة قانونية دون أي نشاط تجاري فعلي، والبعض منهم أراد الاستفادة من الإقامة الممنوحة له لتكون بمثابة جسر عبور، والطرف الآخر تحوّل من مستثمر يحمل الإقامة، إلى باحث عن عمل، أو بائع متجول، مما شوّه مفهوم الاستثمار الذي تنشده السلطنة، وأضرَّ بصورة السوق العماني الذي يحظى باحترام الجميع.
لذلك فإن القرار الذي يفرض تعيين مواطن عماني واحد على هذه الفئة تحديدًا، (المستثمر الاجنبي) في تقديرنا هو قرار صائب ولا غبار عليه، بل يجب أن يُطبق بصرامة، وأن يُربط استمرار السجل التجاري بإثبات الجدية في ممارسة النشاط، وتوظيف المواطن. هو حق مشروع. فإن عجزت هذه "الشركات الورقية" عن ذلك، فعليها أن تُفسح المجال لغيرها من المستثمرين الجادين، ومن هنا نرى أن المستثمر الحقيقي لا يخشى تعيين عماني، بل يرى فيه شريكًا في النجاح، وامتدادًا للثقة المتبادلة بينه وبين بيئة الأعمال في هذا الوطن الكريم.
وللإنصاف، فإن وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار تعاملت مع هذه الإشكالية بوعي تام، فأعادت تنظيم قائمة الأنشطة المسموح بها للمستثمر الأجنبي، ووضعت قيودًا، وحضر مزاولة بعض المهن لتحمي المؤسسات التي تدار من قبل رواد الأعمال ومن يحملون بطاقة ريادة الأعمال أصحاب الشركات العمانية خاصة الصغيرة والمتوسطة.
ولتوضيح هذا التوجه، عقد معالي قيس بن محمد اليوسف وزير التجارة والصناعة وترويج الاستثمار لقاء، ضم عددا من الكُتّاب والمهتمين بالشأن الاقتصادي، حيث شدد على أن هذا الإجراء بفرض قرار للمؤسسات الأجنبية بتعيين مواطن عماني هدفه تنظيم السوق، وإثبات جدية هذه المؤسسات الأجنبية، وتمكين العمانيين من الحصول على وظائف.
لكن وحسب متابعتنا، وما أثار القرار الجدل لاحقًا، هو التعميم الذي أصدرته وزارة العمل لهذا القرار، ليشمل جميع السجلات التجارية، بما فيها المؤسسات الصغيرة ومتناهية الصغر، التي تدار من قبل المواطنين. وهنا بدأنا نسمع أصوات القلق تعلوا من قبل أصحاب هذه المؤسسات. ورواد الأعمال من أبناء الوطن يطالبون بإلغاء هذا القرار، وامتدت الأصوات لاحقا لتصل إلى عدد من المستثمرين الأجانب غير الجادين ومطالبتهم بإلغاء هذا القرار.
من وجهة نظري، فإن العودة إلى التدرج في تطبيق القرار، كما بدأ في الأصل كمقترح من قبل وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار، هو الأنسب؛ بأن نُبقي على القرار مفروضًا على الشركات الأجنبية حصرًا في هذه المرحلة، ونؤجل تعميمه على بقية السجلات إلى أن تُتاح بيئة عمل داعمة ومستقرة للمشاريع الصغيرة.
نقول في ختام هذا المقال: إنّ المستثمر الأجنبي الحقيقي عليه ألا يتهرب من المسؤولية الاجتماعية، والمستثمر الجاد لا يخشى تعيين عُماني، بل يرى في ذلك جزءًا من التزامه الأخلاقي، وشراكته مع هذا البلد الكريم، الذي فتح له الأبواب وسهّل له السُّبل لطرق الاستثمار في بلادنا الغالية.
** رئيس تحرير الواحة