عبدالله سليمان العامري
المحتل ليس عظيمًا كما يرى نفسه، لأنه باطل، والمقاومة هي العظيمة، لأنها ترى المحتل بعين الباطل وعظمتها تكمن في حقها.
قال المتنبي:
وتعظمُ في عين الصغير صغارها
وتصغر في عين العظيم العظائمُ
أكذوبة العصر
الكيان الصهيوني نتاج حروب قديمة بين دول الغرب، والحرب العالمية الأولى والثانية. وأرض الميعاد ما هي إلا أكذوبة استعمارية كبرى، والكل يعرف ذلك، وهي أشد أنواع ضعف هذا الكيان. فالكيان الصهيوني ليس إلا قاعدة عسكرية متقدمة في المنطقة، ويؤكد ذلك حجم التسليح والتصريحات المتكررة لقادة الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية حول التفوق العسكري للكيان في المنطقة، والحرص على أمنه وحقه في الدفاع عن نفسه حتى وإن كان المعتدي.
هواجس مشتركة
لم تكن دول المنطقة بعيدة عن تلك الحروب والصراعات الدولية وسباق المصالح الاستعمارية التي أنجبت الكيان وزرعته في خاصرة المنطقة مما دفع دول المنطقة إلى اختيار مسارات وتحالفات تتصادم بين وقت وآخر نتيجة اختلاف الفكر والسياسات وأيديولوجيات القوى المتصارعة وأطماعها في ثروات المنطقة.
أدى زرع تلك البذرة الشيطانية إلى عدم الاستقرار، والخوف من وجود هذا الكيان الغريب، ومن الذي أعطاه حق الوجود الذي لا يملكه. فظلت قضية فلسطين الهاجس المشترك بين دول المنطقة من جانب، وظلّ الخوف مما وراء ذلك الوجود يغض مضاجع دول المنطقة من جانب آخر. الخوف من تأثيره الفكري والديني والتوسع والتغيير الديموغرافي في المنطقة.
إيران والبذرة الشيطانية
هذا الهاجس المشترك والخوف من مجيء هذا الوليد وما وراء الأكَمة لم يكن غائبًا عن إيران قبل تأسيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وبعد قيامها.
دفع هذا الهاجس والواجب الديني للجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى الثبات والوقوف بجانب القضية الفلسطينية منذ البداية. وأيدت طوفان الأقصى وساندت المقاومة في غزّة بكل ما تستطيع في الوقت الذي كانت تواجه فيه الحصار الاقتصادي الشديد والضغوط والتهديدات الأمريكية الصهيونية.
مفاوضات خادعة
وفي خضم المفاوضات غير المباشرة بين الولايات المتحدة الأمريكية والجمهورية الإسلامية الإيرانية التي بذلت سلطنة عُمان جهودا كبيرة لجمعهما للتفاوض حول قضية النووي الإيراني، فاجأ المحتل إيران بالتنسيق مع الإدارة الأمريكية بضربات جوية بذريعة امتلاك إيران سلاح نووي ومساندتها للمقاومة.
واستمرت الحرب مدة ١٢ يوما، شاركت فيها الولايات المتحدة الأمريكية بضرب المفاعلات النووية الإيرانية، وأعلنتا كالمعتاد انتصارهما. وقد يتساءل البعض هل يمكن قبول ادعاءات ترامب ونتنياهو أنهما انتصرا في ١٢ يوما على دولة بحجم إيران، مساحة وسكانا وتسلحا؟ وقد مضى ٢٢ شهرا على حرب الإبادة في غزّة التي تبلغ مساحتها ٣٦٥ كيلومترا مربعا استخدم فيها مختلف أنواع الأسلحة، والتجويع والحصار. يضاف إلى ذلك فارق القوة العسكرية وإمكانيات المقاومة التي لا تزال تكبد مجرمي الإبادة الجماعية خسائر فادحة حتى الآن.
الطوفان بداية الهزيمة
رأى البعض أن طوفان الأقصى كان خطأ استراتيجيا، وأن المقاومة لن تصمد أمام ردة فعل ما يُدعى بالجيش الذي لا يُقهر. ورأى الكثيرون غير ذلك، وأيدوا المقاومة في غزة وإنجازها التاريخي الذي كشف هشاشة الكيان المحتل وجيشه.
طوفان الأقصى لم يكن ردة فعل اللحظة على ممارسات الاحتلال الصهيوني، طوفان الأقصى وليد قضية، وحقٌ قديم، وجرائم عمرها ٧٣ سنة.
وما من شك أن السابع من أكتوبر غير من معادلة تقييم الضعيف والقوى، وأن طوفان الأقصى لم يأت من فراغ، بل أتى على قاعدة صلبه أُعد لها إعدادًا علميًا ومدروسًا بعنايةٍ فائقة.
أفاق المحتل على هزيمة مدوية وفضيحة كشفت حقيقته التي روج لها على مدى عقود بأنه القوي في المنطقة، وأنه يمتلك جيشًا لا يقهر، فشنّ حرب إبادة وجرائم من أبشع الجرائم استُخدِمَ فيها مختلف الأسلحة المحلية والأمريكية والغربية، والتجويع، والحصار المطبق.
وأسقط على قطاع غزة التي لا تتجاوز مساحتها ٣٦٥ كيلومترا مربعا، ٧٠ ألف طن من القنابل حتى شهر أبريل ٢٠٢٤، يتجاوز كمها ما أُسقط في الحرب العالمية الثانية على مدينتي دريسدن وهامبورج في ألمانيا وعلى مدينة لندن.
مضى على حرب الإبادة ٢٢ شهرًا ولا تزال المقاومة تُكبد جيش الاحتلال خسائر فادحة في الأرواح والمعدّات، بالنظر إلى الفارق في قوة الأسلحة التدميرية والقنابل وبمشاركة أمريكية غربية لا تخطئها عينُ مبصر.
وأرغمت العدو على الجلوس للتفاوض للمرة الثانية إن أراد استعادة من تبقّى من أسراه أحياءً أو قتلى، ويمكن استخلاص الأدلة التالية على هشاشة الكيان الصهيوني وهزيمته:
١- الصدمة المدوية لطوفان الأقصى.
٢- لجوء المجرم ومن معه إلى حرب الإبادة والتجويع والحصار.
٣- استمرار المقاومة في تكبيد العدو خسائر فادحة في الأرواح والمعدات وتصعيد في العمليات النوعية بعد مرور ٢٢ شهرًا على حرب الإبادة.
٤- بيان المقاومة الأخير، حذر فيه الجنود الصهاينة من تعريض أنفسهم للقتل عند محاولة أسرهم، وهو تصعيد متقدم يدل على قدرة المقاومة على إلحاق أكبر قدر من الخسائر في صفوف العدو.
٥ - إعلان المقاومة الجاهزية لحرب استنزاف طويلة، إذا أفشل العدو المفاوضات.
٦- السقوط المدوي عسكريًا وأخلاقيًا وإنسانيًا لسمعة الجيش الذي لا يقهر.
٧- سقوط دولة المحتل على مستوى شعوب العالم، لانتهاكها الأخلاق والأعراف الإنسانية والقانون الدولي.
٨- تصريحات رئيس أركان جيش الاحتلال المتكررة المناقضة للواقع بأن الجيش قد حقق أهداف الحرب.
٩- هروب نتنياهو من استحقاقات الهزيمة، محاولًا فتح جبهات جديدة ليظهر للعالم بأنه القوي والمنتصر.
١٠ - انهيار الجبهة الداخلية وانسحاب الأحزاب التالية:
١- حزب ديغيل هتوراه.
٢- حزب شاس.
٣- حزب الوحدة الوطنية.
٤- حزب أوت ما يهودي " القوة اليهودية".
مفاوضات إنقاذ المهزوم
ما يحصل اليوم من مفاوضات ومماطلات ليست من باب الإنسانية وحب ترامب للسلام، إنما هي لإخراج نصرٍ سياسيٍّ ومعنويٍّ لهما من الهزيمة النكراء في ميادين المقاومة، أي إخراج نفس النسخة مع إيران وحزب الله وجماعة أنصار الله في اليمن التي لا تزال تطلق الصواريخ والمسيرات إلى عمق إسرائيل وتغرق السفن التجارية المتجهة إلى الكيان الصهيوني.