خلفان الطوقي
كثيرا من المواضيع تبدو من النظرة الأولى صعبة ومتشابكة ومعقدة، ولكن ما يتم تفكيكها سيسهل التعامل معها، ومن هذه المواضيع تعامل وتواصل الجهات الحكومية مع الدول الأخرى، أو تفعيل التعاون مع المنظمات الدولية.
الوضع الحالي في معظم الجهات الحكومية يكون في وضع "المنتظر" أو "المتلقي"، بمعنى أن ترد الجهة الحكومية العمانية على نظيرتها من الدول أو المنظمات الدولية على المراسلات، أو دعوات التعاون، أو التدريب الوظيفي، أو البعثات والمنح الدراسية، أو غيرها من أنواع التعاون.
ما شجعني لكتابة هذه المقالة عدة محفزات، أولها: جلسة مع بعض الأصدقاء من رجال أعمال وعدد من كبار موظفي الدولة السابقين، كفاءات وأصحاب خبرة طويلة في العمل والحياة العامة، ثانيهما: هذه المقالة هي امتداد لمقالتين قد كتبتهما سابقا هما: عُمان وتفعيل التعاون الدولي، كتبت بتاريخ ١٩ أكتوبر ٢٠٣٤م، ومقالة أخرى بعنوان: تفعيل العضويات الدولية بتاريخ ٢٤ مايو ٢٠٢٥م، أما المحفز الثالث هو أهم ما انبثق من هذه الجلسة، والذي يمكن أن يوثق ويتم إيصاله إلى الجهات الحكومية، ويمكن تطويره وتأطيره ليكون متسقا مع السياسات الحكومية، وأهم هذه النقاط:
- دور وزارة الخارجية: بأن تفعل دور سفاراتنا، خاصة السفارات الموجودة في بعض الدول المانحة للمنح الدراسية لدرجات البكالوريوس أو الماجستير أو الدكتوراة أو الفرص التدريبية أو الاستشارات الفنية أو غيرها، مما يتيح لأبناء وبنات عُمان الاستفادة منها بشكل مباشر أو غير مباشر بشكل كامل أو جزئي.
- التحول من الفكر الحكومي المتلقي إلى المبادر: لا أحد ينكر أن هناك جهودا فردية من بعض المسؤولين المبادرين بحكم علاقاتهم المميزة مع نظرائهم في الدول الأخرى، لكن من الممكن تحويل ذلك لكي يكون "نهجا" و"سياسية" حكومية، ويكون ذلك بتشجيع هذه المبادرات في كل الجهات الحكومية، ومنحها المساحة الكافية للتعامل مع نظرائها، ويمكن لوزارة الخارجية أن تمنحهم مزيدا من الصلاحيات والمساحات، ويكون ذلك من خلال إصدار دليل استرشادي يضم الصلاحيات ومساحات التحرك، والمحظورات والخطوط الحمراء، وتقليل هذه الخطوط قدر الإمكان.
- تفعيل الدوائر الحكومية المختصة: فكما هو معروف أن هناك دوائر مختصة بالتواصل والتعاون الدولي في بعض الجهات الحكومية، ويمكن تفعيلها لأن تكون أكثر مبادرة من السابق، وليس "متلقية" فقط، ويكون ذلك من خلال تشجيعها لباقي الدوائر الأخرى للتعاون مع نظرائهم، واكتشاف الفرص أينما كانت، وتفعيل كافة مذكرات التفاهم وتحويلها إلى اتفاقيات تنفيذية يستفيد منها أكبر عدد ممكن من الموارد البشرية العمانية.
- اعتماد التعاون الدولي كمعيار أداء للأداء المؤسسي الحكومي: فمنذ عام ٢٠٢١م تم اعتماد عدد من المعايير للأداء المؤسسي للجهات الحكومية، ويمكن إضافة هذا المعيار لأكثر الجهات الحكومية تعاونا مع نظرائهم في الدول الأخرى، ولأكثر فرص التعاون التي استطاعت استقطابها هذه الجهة أو تلك.
حان الوقت لأن تضع الحكومة عدة اعتبارات أمامها مثل أن العمل الحكومي في تغير مستمر، ولابد من تغير البروتكولات التقليدية، وأن الدول القوية هي من تقتنص الفرص، وأن الطلب أصبح اكثر من المعروض، والمعروض من الفرص وأن كان متاحا، فلابد لعمان أن تبحث عنها وتأتي بها، وأن العلاقات الدولية ليست شعارات جميلة فحسب، ولكن من الممكن تحويلها للتعاون ميداني لتطوير مواردنا البشرية الإدارية والفنية والاكاديمية وغيرها، وأن اي نجاح سابق يمكن أن نكرره أضعاف مضاعفة، وأن الجهد لا يجب أن يتوقف بل مضاعفته وفقا للمعطيات والاستحقاقات، وأن الانجازات تحتاج إلى روح وفكر وجهد مبادر، وأن الوقت له قيمة، وأي تأخير فهو مكلف، عليه، فيجب علينا أن لا ننتظر.