المعالجة الدينية والسياسية للقضايا الإسلامية

 د. عبدالله الأشعل

القضية الإسلامية هي كل قضية تتعلق بالشؤون الإسلامية، وقد استحال على واضعي ميثاق منظمة التعاون الإسلامي عند نشأتها عام 1969 تعريف الدولة الإسلامية، فاكتفى الميثاق بتعريف الدولة الإسلامية وفقا لاعتراف الدولة الإسلامية بأنها دولة إسلامية أي أن الميثاق لم يضع شروطا موضوعية لتعريف الدولة الإسلامية وإنما اختار المعيار الذاتي.

وكانت القضايا الإسلامية يومها محصورة بعد استبعاد الطابع الديني للقضية الفلسطينية في قضية مسلمي الفليبين، وقضية الشيشان، وكانت بعض الدول الإسلامية، كما تبين فيما بعد، تعمل في هذه القضايا بدافع التحالف مع الولايات المتحدة، ولكن المنظمة عالجت الموضوع معالجة سياسية وقانونية، واستبعدت المعالجة الدينية التي تمسكت بها الجماعات الإسلامية وبعض الدول الأعضاء، ووضعت معيارا صارما يقضي باحترام سيادة الدول الإسلامية والدول الأخرى ووحدة أراضيها. بينما كانت الدول الإسلامية المساندة لهذه القضايا تنظر إليها نظرة دينية.

فكان على الأقليات الإسلامية في الفلبين وبورما والصين وغيرها أن تحل مشاكلهم بالتفاهم مع الحكومة الوطنية. أما قضية الشيشان فكانت هذه الدول، تساند الحركة الانفصالية ضد موسكو تماما، كما تحمست الدول الإسلامية لمحاربة الشيوعية في الاتحاد السوفيتي عندما غزا أفغانستان عام 1979، وقد اتضح بعد ذلك أن هذه الدول الإسلامية ساهمت بغير وعي في تفكك الاتحاد السوفيتي لصالح الغرب رغم أن الغرب يحارب الإسلام والمسلمين.

وكان حل قضية الشيشان في المنظمة، هو الكف عن مساندة المتمردين في الشيشان، واعتبار مساندتهم تدخلا في الشؤون الداخلية لروسيا والنتيجة هي التفاهم مع روسيا على الحصول على حقوقهم وفقا للدستور الروسي.

وبعد ذلك ظهرت قضايا الأقليات الإسلامية في الدول غير الإسلامية مثل قضية مسلمي بورما والإيجور في الصين.

وفي هذة الأثناء تناقض المنهج الديني مع المنهج السياسي في معالجة القضايا الإسلامية.

أما قضية كشمير بين الهند وباكستان، فهي القضية التقليدية للقضية الإسلامية. والطريف أن بعض الدول الاسلامية أيَّدت الهند لاعتبارات مختلفة، تمسكا بالمنهج السياسي على خلاف الدول الأخرى التي نظرت إلى القضية من منظور ديني.

ولذلك، لا يوجد إجماع إسلامي على مساندة باكستان، رغم أن الدول التي ساندت باكستان مالت إلى المنهج الديني الذي يقضي بأن الأمة الإسلامية أمة واحدة، ولكن يقف دون ذلك أن المجتمع الدولي يعترف بالدول فقط.

وإذا كانت إيران قد دعمت مسلمي البوسنة في تسعينيات القرن الماضي، فالوازع الديني كان حاسما ضد إبادة المسلمين، وهو ينسجم مع الإجماع الإسلامي ضد الإبادة. وقد أعلنت باكستان أنها مستعدة لدعم إيران ضد العدوان الإسرائيلي في يونيو 2025، والوازع الديني تخافت إلى جانب الوازع السياسي، وهو أن الصين حليف إيران، وأن الهند عدو للصين.

جدير بالذكر أن بريطانيا عندما قسَّمت شبه القارة الهندية تظاهرت بالمعيار الديني، وأصبح لدينا الهند الهندوسية، وباكستان الإسلامية، بعد ذلك ظهرت بنجلادش انفصالا من باكستان.

والملاحظ أن منهج المعالجة الديني تبنته الدول الحليفة للولايات المتحدة تحت ستار الأمة الإسلامية مقابل المنهج السياسي في المعالجة الذي يعترف بسيادة الدولة ووحدة أراضيها.

والطريف أن واشنطن أشاعت أنها في مقدمة معسكر الموحدين ضد معسكر الكفار الشيوعيين خلال الجهاد في أفغانستان.

وقطعا كانت الدول الإسلامية الحليفة للولايات المتحدة، تدرك أنها تساند الولايات المتحدة ضد الاتحاد السوفيتي في هذا الصراع العالمي عن طريق المنهج الديني في المعالجة.  وقد لاحظنا أن التنظيمات الإسلامية كانت قريبة من واشنطن، وتتهم الاتحاد السوفيتي بالإلحاد والكفر، وهي تعلم أن المعالجة الدينية تعتبر ذرا للرماد في العيون وهي في الواقع تساند واشنطن من الناحية السياسية.

وقد لاحظنا أيضا أن معظم رجال الدين يفضلون المنهج الديني في المعالجة، لأنهم يجيدون هذا المنهج، وأنهم ليس لديهم عقل سياسي حتى يمكن أن يجمعوا بأقدار معينة بين المنهجين الديني والسياسي، وكانت النتيجة أن أهملوا المنهج السياسي تماما، بل أنهم اعتبروه مناقضا للمنهج الديني واعتبروه منهجا علمانيا لا يعترف بالدين.

ولذلك، فموقف الجماعات الدينية متناقض، فهو من ناحية لا يعترف بالمنهج السياسي، ومن ناحية أخرى يسعى وراء السلطة، واستغلت واشنطن هذا التناقض، وشجَّعت الجماعات الإسلامية على الوصول إلى السلطة.

فإن أوضحت لهم أن الدعوة لا تحتاج إلى سلطة، ردوا أن السلطة قوة، وهم يأمنون السلطة التي تطاردهم عندما يحصلون عليها. وبالطبع فإن العامل الأجنبي مشترك في هذا الصراع على السلطة، ولو كان لدى الجماعات الإسلامية عقل سياسي، وهو أمر مستحيل كامن في تكوينهم، لنجحوا في هذا الصراع.

صحيح أن الطرف الآخر ليس لديه عقل سياسي، ولكنه يعتمد على القوة العسكرية، وتاريخ البقاء في السلطة، وعلى خيارات الخارج. وأذكر أني دُعيت إلى مؤتمر في إسطنبول كان موضوعه قضية الإيجور في الصين، وبالطبع فإن المنهج الديني هو الذي ساد. ونظرا لأن تركيا هي التي نظَّمت المؤتمر، وهي تؤمن بأن الأمة الإسلامية كالجسد الواحد وأنها اتخذت موقفا ضد الحكومة الصينية على أساسين، الأول: إن الإيجور جزء من الأمة الإسلامية، والثاني: إن الإيجور يرجعون في أصولهم التاريخية إلى العرق التركي. ولذلك عنيت بتفصيل موقفي السياسي، وأن الإيجور جزء أيضا من الشعب الصيني، وأن مساندتهم تدخل في الشؤون الداخلية الصينية كما أن الصين قوه عظمى يستحيل هزيمتها من جانب المتمردين في الإيجور كما أنني مقتنع تماما بنهج منظمة التعاون الإسلامي التي كنت المستشار القانوني لها، وساهمت في بناء موقفها من الأقليات الإسلامية في الدول غير الإسلامية.

الأكثر قراءة